شرم الشيخ ٢٠٠٥: مين اللي عملها؟
متوسّطاً أو كبيراً)ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
تنظيم القاعدة، تنظيم إسلاميّ مستقلّ، الموساد، المخابرات الأمريكيّة، البدو الغاضبون، المشمّسون،
هؤلاء وغيرهم حمّلهم المتخصصون وأشباه المتخصصين وكذلك كلّ من لا يعرف شيئاً في السياسة مسئوليّة التخطيط لحادث السبت الماضي المشئوم.
وبعد مرحلتَيْ الصدمة الأولى، والغضب التالي، ثم المبادرات الانفعاليّة (الإيجابيّة والسلبيّة) التي تلت الغضب، بقي السؤالان المهمّان مطروحَيْن:
١) من (الـ)مسئول عن هذا؟ من الذي قام بالعمليّة؟
٢) كيف كان من الممكن منع مثل هذا الحادث؟ وكيف يمكن منعه في المستقبل؟
الهدف من المداخلة التالية-التي لا تزال مجرّد مسوّدة أدعو الجميع للمشاركة في تعديلها-هو:
١) محاولة طرح نظريّات (أو فرضيّات) مختلفة بشأن السؤال الأوّل.
٢) بما أنّنا لن نعرف أبداً على وجه التأكُّد من فعلها (لأنّ الحادث معقّد، ولأنّنا لا نثق عامّةً في وسائل الإعلام، ولأنّنا نعرف "حكمة" الأجهزة الأمنيّة وكيف أنّها سواء وصلت للفاعل أو لم تصل أو وصلت له ووجدت ما لا يجب الإفصاح عنه، فستخرُج علينا بقصّةٍ ما)، فأنا أحاول أيضاً طرح علاج عام، تماماً كما يعالج الطبيب مرضاً يعرف أعراضه ومضاعفاته ولا يفهم سببه.
أوّلاً: نظرّيات بشأن الفاعل:
كلمة "نظريّة" تعني تفسير نظري له فرضيّات وإثباتات! إذاً فما سأسرده هنا بسرعة من باب العصف الذهنيّ لا يعدو كونه .احتمالاتبعضها منطقيّ تقليديّ وبعضها غريب وبعضها شديد الخياليّة، لكنّني أطرحها على المائدة، علماً بأنّ ليس كلّ ما هو "منطقيّ" بالضرورة "حقيقيّاً!"
لتسهيل الأمر، سأقسّم المسئوليّة إلى مستووين:
ا/ التنفيذ المباشر (من نفّذ الحادث؟)
ب/ من وراء الحادث؟
عندما تبحث الشرطة عن "فاعل"، تبحث عادةً عن "دافع" للجريمة ثم عن أدلّة إدانة وعن مواجهة يتلوها اعتراف. ورغم أنّ الاعتراف سيّد الأدلّة، فهو في رأيي لم يعُد كذلك لأنّه قد يكون تحت ضغط أو قد تعلن جماعة ما مسئوليّتها للتضليل أو لخطف "الشرف" من صاحبه الأصليّ المختبئ أو لتشتيت الانتباه عن الفاعل الحقيقيّ أو لتلبيس التهمة لمجموعة ما تمهيداً لتحقيق هدف سياسيّ.
السؤال ١/ا: من المنفذالمباشر؟
الاحتمالات المطروحة:
ـ مصريّون/ أجانب
ـ تنظيم مستقلّ/ تنظيم عالميّ
ـ عملاء مخابرات
ـ انتحاريّون/ تظاهروا بالانتحار
ـ متطوّعون/ محترفون (ذهبت الأموال لأسرهم لتكفل لهم عيشاً كريماً لمدّة طويلة/ أشخاص أجبروا (أو غسل مخّهم) على القيام بمثل هذا العمل (مساجين زرعت فيهم قنابل، أو تحت تهديد مباشر أو غسيل مخ بإحدى الطرق التي نراها في أفلام الخيال العلميّ).
أضِف ما تحبّ لهذه القائمة...
السؤال ١/ب: من وراء الحادث؟
١) تنظيم القاعدة العالميّ المتشعِّب.
٢) تنظيم محليّ مستقلّ أو عشوائيّ.
٣) تنظيم صغير ينسب نفسه للقاعدة لكنّه ليس مرتبطاً بالقيادة، بل لبّى نداءات بن لادن والظواهري والزرقاوي (التي تبثّها لهم-مشكورةً-قناة الجزيرة مجّاناً).
٤) مخابرات دولة راعية للإرهاب تتظاهر بمحاربته (زي ميين؟)
٥) مخابرات دولة معادية لمصر تريد ضرب اقتصادها (زي ميين؟)
٦) المؤامرة الصهيونيّة الماسونيّة الـ... الـ... العالميّّة.
٧) الحكومة المصريّة لتشتيت المعارضة وضمان استمرار النظام الحالي (!).
٨) المخابرات الأمريكيّة أو البريطانيّة لتبرير وجودها في المنطقة أو إثبات أهميّة الحرب ضدّ الإرهاب أو معاقبة مصر على عدم إرسال قوّات أو...
ثانياً: كيف نمنع حدوث ذلك؟
ما لا يمكن لأيّ دولة كبرت أو صغرت ولا للجنس البشريّ عامّةً عمله حالياً:
ـ لا يمكن منع المتفجّرات أو إزالة وسائل التفجير من الوجود. فجميعها-ككلّ شيء آخر-لها استخدامات حميدة وأخرى خبيثة.
ـ لا يمكن عمليّاً إحلال السلام وإنهاء الفقر والإحباط في كلّ مكان في العالم. فهذا ما فعله البشر بأنفسه، وعلينا أن نتعايش معه، ولو مؤقتّاً.
ـ نحن بعيدون جدّاً عن حلّ جميع القضايا العالميّة حلولاً عادلةً ترضي جميع الأطراف، ولا حتّى ترضي بعض الأطراف. فهل سيستمر العنف والقتل أبداً حتّى يسودَ العدلُ الأرضَ (إن ساد)؟
ــ فقرة اعتراضيّة ــسواء كان المدبّر هو تنظيم القاعدة أو غيره،
خيار المؤامرة مطروح دائماً، ولكن علينا ألاّ نختاره:
هل توجد مؤامرة صهيونيّة عالميّة؟ ربّما. هل توجد مؤامرات مخابرات أجنبيّة؟ بالتأكيد، فهذه وظيفة المخابرات. هل توجد قوى من مصلحتها نشر الحرب في كلّ مكان في العالم؟ أكيد جدّاً، على الأقلّ تجّار السلاح والمعدّات الحربيّة.
هل سيفيدنا شيئاً أن نعرف هذا؟ نعم، فهذا يفسّر استمرار العنف والخراب والفقر، ويجعلنا نعرف من الذي يعيث في العالم فساداً.
هل سيفيدنا شيئاً أن نلقي كلّ مشكلة تحدث على شمّاعة المؤامرة؟ لا، فهذا فيه هروب من مسئوليّتنا (أيّاً كان مقدار هذه المسئوليّة). فالسوال الحقيقيّ هو: لماذا سقطنا في حبال المؤامرات؟ وماذا فعلنا نحنُ لمنعها؟
والمثل العالميّ يقول: تستطيع أن تقود الفرس إلى النهر، ولكنّك لا تستطيع أن تجعله يشرب.
يستطيع محرِّكو خيوط المؤامرات أن يوفّروا جميع أسباب الحروب والجرائم والإرهاب، لكنّ أحداً منهم لا يستطيع أن يفعل شيئاً بدون الاختيار الحرّ للمنفّذين والجنود وغيرهم، فالإنسان-مهما كان فقيراً أو جهولاً-ليس عروسة "ماريونيت".
يستطيع الشيطان أن يوسوِس، لكنّ الخيار لي ولك في النهاية؛ ولاّ إيه؟
ــ
سواء كان الدافع هو معاقبة الدول المتحالفة مع الغرب أو تشويه الإسلام من طرف القوى المتآمرة، أو تدمير اقتصاد مصر،
سواء كان ما تبثه الجزيرة وغيرها من تهديدات ومن "إعلان مسئوليّات" حقيقيّاً أم زائفاً،
لا يمكن نفي التالي:
ـ الفاعلون في الأغلب انتحاريّون. ما الذي يجعل إنساناً يقتل نفسه لقتل غيره؟
ـ كيف استطاع المتآمرون تجنيد هؤلاء الانتحاريّين؟
ـ كيف يقبل إنسان ذو عقلٍ يعي وقلب ينبض أن يتسبّب بموت برىء واحد أو حتّى شخص مشكوك في براءته؟ كيف؟؟
من فعل هذا بعقول الشباب وقلوبهم؟
أين هي قلوبهم؟
ـ كيف تغلّبت قوّة نفسيّة معيّنة على الرغبة الغريزيّة في كلّ كائن حيّ في البقاء وحفظ النوع؟
مثال تطبيقي من الخيال:من كلّ ما سبق، بنيتُ نسخةً أولى من نموذج تحليليّ للمسئوليّة التخطيطيّة (المنطقة الصفراء) والتنفيذيّة (المنطقة الحمراء) عن الجريمة أو المذبحة. وفرضيّتي باختصار مبنيّة على التالي: أياً كانت هويّة المخطِّطين والمنفذين، فالخطوات المحوريّة في رأيي هي: وصول الرسالة من المخططين للمنفّذين (المنطقة الخضراء) وهي في رأيي الخطوة الفعّالة لأنّها تضخّم الرسالة
خذ مثلاً هذا المثال الفرضيّ:
حركة المؤامرة العالميّة الشيطانيّة التي تريد تدمير العالم والقضاء على الملائكة الساكنين في البلاد العربيّة تريد التآمر.
ماذا تفعل؟
يخرج واحد منهم بفكرة جهنّميّة: يرسل شريطاً للجزيرة ويدّعي فيه أنّه أبو فلان الفلانيّ ثم يقول: نحنُ جماعة "الجنود ذوي السيوف" وندعو كلّ مسلم غيور لمقاومة التحالف الصليبيّ الصهيونيّ العالميّ ومن يتحالف معهم من أنظمة خائنة كمصر والسعوديّة. تنشره الجزيرة وتدينه!
يسمع البسطاء الذين تربّوا على ألاّ يقبلوا الذلّ وألاّ تأخذهم في الحقّ لومة لائم. يسمعون ليل نهار عن شرف الاستشهاد من ناس أفاضل أكبر منهم سنّاً ومقاماً. هم عاجزون عن تحقيق ما يرونه مثاليّاً في مجتمعهم بأيّ طريقة سلميّة، عاجزون حتّى عن تحقيق أحلامهم الشخصيّة. يجمعون أنفسهم ويقرّرون جمع بعض البارود وعمل قنبلة بشريّة.
يعبرون الحدود ويفجّرون أنفسهم لتأديب الغرب الكافر وأعوانه الذين يقبلون وجود السيّاح عراة الصدور والظهور، ويستضيفون في فنادقهم رجالاً ونساء (بل رجالاً ورجال) يعيشون معاً بلا زواج.
انظر أيضاً المثال الذي اقترحه "لون وولف".
ـ
Signal Amplification
وتنقلها من الـ"نخبة الشريرة" إلى المنفذين الفعليّين.
كذلك أعتبر الخطوة المفتاحيّة (التي سيتوّقف عليها مسار العمليّة)ـ
Rate-limiting Step
هي التجنيد الفعليّ للمنفذين وربّما تدريبهم. فرغم كلّ شيء، من الصعب إيجاد انتحاريّين مدرّبين، ومن الصعب التضحية بهم. هذه هي الخطوة التي تحدِّد في النهاية نجاح العمليّة.
آخر عناصر الطرح الذي أطرحه، هو السبب العميق ومفرخ القنابل الموقوتة: وهو ما أسمّيه أنا "الثقافة الطبيعيّة" أو "صنع مجتمع طبيعيّ"، هذه الثقافة التي تبقي المجتمع في حالة شحن مستمرّ، وتثري دائرة العنف المفرغة الملعونة، مدعومةً بقاعدة من المشكلات/الأزمات الاقتصاديّة الاجتماعيّة (الفقر/ البطالة/ العجز عن الزواج/ العجز عن تحقيق الذات/ أزمة الهويّة. باختصار، الفشل في إشباع هرم احتياجات ماسلو)
إذا كان النموذج غير مرئيّ، جرّب النقر عليه لمشاهدة نسخة أكبر (أو خذ عندك هذه النسخة الضخمة). وإذا تعذّر ذلك لأيّ سبب، راسلني لتطلب نسخة پي.دي.إف.
تذكّر أنّني أدعوك لتطوير النموذج والمشاركة فيه، لكن لا تنسَ ذكر هذا الرابط إن أردتَ استخدام النموذج أو الإشارة إليه.
في النهاية عزيزي القارئ،
من المسئول عن تفجيرات ٢٣ يوليو ٢٠٠٥؟
وإجابتي هي: ـ
ـ المجهولـ(ون) الذين دبّروا هذا الحادث
ـ من جنّد الأفراد الذين قاموا بالعمليّة (سواء تجنيداً مباشراً أو عن طريق غسل المخ بشكل أو بآخر)
ـ كلّ من يشارك في نشر ثقافة العنف والدعوة للانتقام
ـ كل من يفرح لحوادث أخرى ضدّ أشخاص يكرههم، وكلّ من يتجاهل حوادث أخرى ضدّ أشخاص لا يهمّونه
ـ "الجزيرة" وغيرها من المنابر التي توصّل رسائل الإرهابيّين (أو من ينتحلون شخصيّاتهم) وتساعده على تجنيد الغلابة بحجّة أمانة النشر والبحث عن السبق الصحفيّ.
ـ أنا! لأنّني لم أفعل ما يكفي لإيقاف حلقة العنف والانتقام في العالم، ولأنّني لا أصغي بما يكفي لآلام كلّ مسكين مظلوم ولا أتضامن مع ضحايا العنف بما فيه الكفاية.
ـ وأنت أيضاً!
ـ