برقيّات غير سريعة
أنا حيٌّ أُرزَق، حالياً في مؤتمر بمدينة دترويت. هذه المرّة الإنترنَت وفيرة واللاسلكي في كلّ مكان (ليس كـتلك المرّة)، وهذا طبيعيّ: فالمؤتَمَر هو: "أنظمة ذكيّة للبيولوچيا الجزيئيّة". والمقصود بالـ"أنظمة الذكيّة"، هو استخدام نُظُم الكومپيوتر (أو نُظُم الحَوْسَبة) في العلوم الحيويّة الجزيئّة: وهذا ما يسمّى أحياناً بـ"الحَوسَبة الأحيائيّة" وأحياناً أخرى بـ"المعلوماتيّة الحيويّة"ـ
Computational biology or Bioinformatics
لم تفارق المُدَوَّنة بالي، ولا فارقَتني متابعة التعليقات ولا متابعة سريعة للغاية لما يجمّعه منال وعلاء، لكنّ الوقت لم يسمح لي سوى بنوع من التفكير "تحت المخ"؛ أي التفكير الذي يحدث في طبقة بين الوعي واللاوعي. أو ما يسمّيه الروحانيّون وأهل العصر الجديد (نيو إيچ) الذاكرة الثانية (كما يزعُم پاولو كويليو- المسمى خطأً كويلهو).
ومن هنا نشأت البرقيّات (غير القصيرة) التالية:
٢٣ يونية
* مدينة دترويت
Detroit - D'étroit
التي بناها "كاديلاك" الفرنسي كحصن ضد الإنجليز، في المكان الذي يضيق فيه مسار البحيرات العظمى (إتروا الفرنسيّة تعني ضيّق) والتي تعدّ عاصمة صناعة السيّارات في الولايات المتّحدة وربّما في العالم كلّه (فهي منشأ شركات فورد وكرايزلر وشيڤروليه وپونتياك).
* متحف الأمريكيين العرب؟
طبعاً. دترويت عاصمة العرب أيضاً. وهي من أكثر الأماكن التي شهدت تعصّباً ضدّهم في سبتمبر ٢٠٠١.
المتحف صغير جداً ولكن أنيق. حديث جداً. لم أكُن أعرف أنّ هجرات العرب الأمريكان تنقسم إلى ثلاثة مراحل. المبادرون كانوا من الشام ومعظمهم من الريفيين المسيحيين بلبنان وسوريا. إصرار غريب في المتحف على عرض كتب المسيحيين العرب المقدسة؛ هل هذا للتأكيد ليؤكّدوا للأمريكان أنّ "عربي لا تساوي مسلم". وأيّهما يكره الأمريكيّ أكثر؟ هذا سؤال مفتوح. المرحلة الثانية كانت نزف العقول، وهي هجرة الأطباء والمهندسين والعلماء (مسلمين ومسيحيّين هذه المرّة) وغيرهم من أصحاب المؤهّلات العالية . أمّا المرحلة الأخيرة، فهي إلى جانب المتعلمين من الطبقات الوسطى والعليا، صارت أيضاً مرحلة اللاجئين والطفشانين من الطبقات غير سعيدة الحظ. بالأخص، الفلسطينيّون والعراقيّون.
أعجبني جدّاً لوحات جداريّة بالدور الثاني: جدار يضمّ صوراً للعرب في الأفلام والآخر في الأخبار: صور جميعها سلبيّة غاضبة إرهابيّة. في الجدار الثالث من الحجرة صور حقيقيّة لعرب! اختلاف كبير عمّا يعرض في الأفلام.
قائمة مشاهير الأمريكيّين الأمريكيّين العرب لا تضمّْ فاروق الباز ولا أحمد زويل. لا شكّ من وجود تحيّز "شاميّ" غير مقصود. أين المصريون؟ تركنا اسمي فاروق الباز وأحمد زويل في اقتراح للمتحف.
٢٥ يونية
الإسرائيليون
في اليوم الثاني من الجلسات السابقة للمؤتمر! عدد الممثلين لدولة إسرائيل كبير جدّاً. لم أجرِ إحصائيّات، لكنّه بلا شكّ ليس أقل كثيراً من ممثلي فرنسا مثلاً (أكثر دولة ممثلة طبعاً هي الولايات المتّحدة وربما ألمانيا وإنجلترا بعد ذلك). العلماء والطلبة الإسرائيليّون يقدّمون الأبحاث ويقودون الجلسات. لا يوجد أيّ ممثل من جامعة مصريّة. لا أتحدّث بالطبع عن الإسرائيليّين ولا المصريين الذين يمثّلون جامعات داخل أمريكا (مثلي). العدد المهول بالطبع هو عدد الصينيّين والهنود والروس (لكنّ أكثرهم أيضاً في جامعات أمريكيّة).
لماذا أذكُر إسرائيل؟ بعيداً عن التحيّزات السياسيّة والدينيّة وعن الخزعبلات وعن نظريّات المؤامرة: هذه الدولة مجاورة لمصر، وعدد سكّانها أقلّ من عُشر عدد سكّان مصر. متقدّمون جدّاً في مجال الحَوْسَبة الحيويّة. كانت فكرتي أنّ هذا المجال هو فرصة ذهبيّة للعلم في مصر لأنّه لا يتطلب إمكانيّات ماديّة بل عقول. أين ممثلو مصر؟ أين هذه المجالات؟ بس.. بلاش حجج فارغة! حزنت لأنّ في الوقت نفسِه مصر مشغولة بضرب المعترضين والمعارضين.
فكّرت في هوجة الغوغائيّة والردح التي قد تحدُث إذا قمت-في مصر-بتنزيل برامج من مواقع جامعات تل أبيب والجامعة العبريّة بالقدس. ستدّعي الصحف أنّها تحوي "ڤيروس" وأنّها ستضلل المصريين! وقد يقاطعني اتّحاد العلماء المصريين (هو فيه؟).
٢٦ يونية
مُدَوِّنون يَتَعرَّضون للضرب في لاظوغلي (أو لاظ أوغلي بحسب صاحب الأشجار الحريص على الدقّة).
أشعر بمزيج من:
ـ الإعجاب بالشجاعة للتواجد وبالأكثر لالتقارير التي كُتِبَت.
ـ الخجل لأنّني أدوِّن عن طرائف المؤتمر.
ـ عدم الاستغراب لأنّ المتوّقع حصل.
ـ عدم إنكار أنّ ما حدث يمارسه أيّ حارس في نادي مثلاً
السؤال: لماذا تلجأ الشرطة المصريّة إلى وسائل الضعفاء؟ هل هم في موقع قوّة أم ضعف؟
أفكّر في عسكري المرور وهيبته المفقودة في الشارع ليقين السائق أنّ المخالفة تُزال بمبلغ يتناسب مع الرتبة- أحاول التظلّم للتخلّص من مخالفة الانتظار الملعونة ذات الثلاثين دولار بسبب عدم قرائتي علامة خاصة في دترويت (ممنوع الوقوف من ٣-٦). ثم أسرح في مدرّس الابتدائيّ الذي ضاعت هيبته لأنّه يتقاضى الأموال من التلميذ في الدرس الخصوصي.
أعود إلى أحلامي التي فجّرها المؤتمر.
٢٧ يونية
مضى اليوم بالتمام والكمال شهرٌ منذ تسلمت شهادة الدكتوراه. وبهذا ينتهي الشهر الاحتفاليّ، وأخلع عن صورتي الروب الأسود لأعود لـ"لبس التدوين".
توقّعوا-إن أتيحت لي الفرصة والصحّة والوقت-فيضاً من التدوينات عن العلم وما يحدُث فيه. وعن المعلوماتيّة الحيويّة وأسرار الحياة.
أعتذر لعدم إدراج معظم الروابط الخارجيّة. الوقت ضيّق.
تصبحون على خير.ـ
Computational biology or Bioinformatics
لم تفارق المُدَوَّنة بالي، ولا فارقَتني متابعة التعليقات ولا متابعة سريعة للغاية لما يجمّعه منال وعلاء، لكنّ الوقت لم يسمح لي سوى بنوع من التفكير "تحت المخ"؛ أي التفكير الذي يحدث في طبقة بين الوعي واللاوعي. أو ما يسمّيه الروحانيّون وأهل العصر الجديد (نيو إيچ) الذاكرة الثانية (كما يزعُم پاولو كويليو- المسمى خطأً كويلهو).
ومن هنا نشأت البرقيّات (غير القصيرة) التالية:
٢٣ يونية
* مدينة دترويت
Detroit - D'étroit
التي بناها "كاديلاك" الفرنسي كحصن ضد الإنجليز، في المكان الذي يضيق فيه مسار البحيرات العظمى (إتروا الفرنسيّة تعني ضيّق) والتي تعدّ عاصمة صناعة السيّارات في الولايات المتّحدة وربّما في العالم كلّه (فهي منشأ شركات فورد وكرايزلر وشيڤروليه وپونتياك).
* متحف الأمريكيين العرب؟
طبعاً. دترويت عاصمة العرب أيضاً. وهي من أكثر الأماكن التي شهدت تعصّباً ضدّهم في سبتمبر ٢٠٠١.
المتحف صغير جداً ولكن أنيق. حديث جداً. لم أكُن أعرف أنّ هجرات العرب الأمريكان تنقسم إلى ثلاثة مراحل. المبادرون كانوا من الشام ومعظمهم من الريفيين المسيحيين بلبنان وسوريا. إصرار غريب في المتحف على عرض كتب المسيحيين العرب المقدسة؛ هل هذا للتأكيد ليؤكّدوا للأمريكان أنّ "عربي لا تساوي مسلم". وأيّهما يكره الأمريكيّ أكثر؟ هذا سؤال مفتوح. المرحلة الثانية كانت نزف العقول، وهي هجرة الأطباء والمهندسين والعلماء (مسلمين ومسيحيّين هذه المرّة) وغيرهم من أصحاب المؤهّلات العالية . أمّا المرحلة الأخيرة، فهي إلى جانب المتعلمين من الطبقات الوسطى والعليا، صارت أيضاً مرحلة اللاجئين والطفشانين من الطبقات غير سعيدة الحظ. بالأخص، الفلسطينيّون والعراقيّون.
أعجبني جدّاً لوحات جداريّة بالدور الثاني: جدار يضمّ صوراً للعرب في الأفلام والآخر في الأخبار: صور جميعها سلبيّة غاضبة إرهابيّة. في الجدار الثالث من الحجرة صور حقيقيّة لعرب! اختلاف كبير عمّا يعرض في الأفلام.
قائمة مشاهير الأمريكيّين الأمريكيّين العرب لا تضمّْ فاروق الباز ولا أحمد زويل. لا شكّ من وجود تحيّز "شاميّ" غير مقصود. أين المصريون؟ تركنا اسمي فاروق الباز وأحمد زويل في اقتراح للمتحف.
٢٥ يونية
الإسرائيليون
في اليوم الثاني من الجلسات السابقة للمؤتمر! عدد الممثلين لدولة إسرائيل كبير جدّاً. لم أجرِ إحصائيّات، لكنّه بلا شكّ ليس أقل كثيراً من ممثلي فرنسا مثلاً (أكثر دولة ممثلة طبعاً هي الولايات المتّحدة وربما ألمانيا وإنجلترا بعد ذلك). العلماء والطلبة الإسرائيليّون يقدّمون الأبحاث ويقودون الجلسات. لا يوجد أيّ ممثل من جامعة مصريّة. لا أتحدّث بالطبع عن الإسرائيليّين ولا المصريين الذين يمثّلون جامعات داخل أمريكا (مثلي). العدد المهول بالطبع هو عدد الصينيّين والهنود والروس (لكنّ أكثرهم أيضاً في جامعات أمريكيّة).
لماذا أذكُر إسرائيل؟ بعيداً عن التحيّزات السياسيّة والدينيّة وعن الخزعبلات وعن نظريّات المؤامرة: هذه الدولة مجاورة لمصر، وعدد سكّانها أقلّ من عُشر عدد سكّان مصر. متقدّمون جدّاً في مجال الحَوْسَبة الحيويّة. كانت فكرتي أنّ هذا المجال هو فرصة ذهبيّة للعلم في مصر لأنّه لا يتطلب إمكانيّات ماديّة بل عقول. أين ممثلو مصر؟ أين هذه المجالات؟ بس.. بلاش حجج فارغة! حزنت لأنّ في الوقت نفسِه مصر مشغولة بضرب المعترضين والمعارضين.
فكّرت في هوجة الغوغائيّة والردح التي قد تحدُث إذا قمت-في مصر-بتنزيل برامج من مواقع جامعات تل أبيب والجامعة العبريّة بالقدس. ستدّعي الصحف أنّها تحوي "ڤيروس" وأنّها ستضلل المصريين! وقد يقاطعني اتّحاد العلماء المصريين (هو فيه؟).
٢٦ يونية
مُدَوِّنون يَتَعرَّضون للضرب في لاظوغلي (أو لاظ أوغلي بحسب صاحب الأشجار الحريص على الدقّة).
أشعر بمزيج من:
ـ الإعجاب بالشجاعة للتواجد وبالأكثر لالتقارير التي كُتِبَت.
ـ الخجل لأنّني أدوِّن عن طرائف المؤتمر.
ـ عدم الاستغراب لأنّ المتوّقع حصل.
ـ عدم إنكار أنّ ما حدث يمارسه أيّ حارس في نادي مثلاً
السؤال: لماذا تلجأ الشرطة المصريّة إلى وسائل الضعفاء؟ هل هم في موقع قوّة أم ضعف؟
أفكّر في عسكري المرور وهيبته المفقودة في الشارع ليقين السائق أنّ المخالفة تُزال بمبلغ يتناسب مع الرتبة- أحاول التظلّم للتخلّص من مخالفة الانتظار الملعونة ذات الثلاثين دولار بسبب عدم قرائتي علامة خاصة في دترويت (ممنوع الوقوف من ٣-٦). ثم أسرح في مدرّس الابتدائيّ الذي ضاعت هيبته لأنّه يتقاضى الأموال من التلميذ في الدرس الخصوصي.
أعود إلى أحلامي التي فجّرها المؤتمر.
٢٧ يونية
مضى اليوم بالتمام والكمال شهرٌ منذ تسلمت شهادة الدكتوراه. وبهذا ينتهي الشهر الاحتفاليّ، وأخلع عن صورتي الروب الأسود لأعود لـ"لبس التدوين".
توقّعوا-إن أتيحت لي الفرصة والصحّة والوقت-فيضاً من التدوينات عن العلم وما يحدُث فيه. وعن المعلوماتيّة الحيويّة وأسرار الحياة.
أعتذر لعدم إدراج معظم الروابط الخارجيّة. الوقت ضيّق.
تصبحون على خير.ـ
6تعليقات:
حمد لله على السلامة.. أنا أول ما قرأت إنك عملت بوست جديد حبيت آجى على طول *ح أقرأه حاضر *
بس عشان إنت وواحد من مصر و ناس تانية كنتم مختفيين من على الساحة
حمد لله على الرجوع لأرض المدونين
بقيت علمي أوي، مش هانعرف نكلمك بعد كده :-)
أنا كمان مكسوفة أوي، أغلبية المدونين بيكتبوا عن المظاهرات وأنا باكتب عن الكتكوت الشرس، بافكر ان أتوقف.
عارفة يا ست نعامة ، انا عكسك
انا بقى حاسس اني كترت من الكتابة عن المظاهرات و نفسي أرجع اكتب بهدوء شوية:)
بحس اني مش ملاحق و مش عارف أكتب عن حاجة تانية...
شاهدت برنامجا عن المتحف العربي في قناة فضائية لا أذكرها من أسبوع..حتى بالأمارة كان هناك نموذج للمنزل العربي (الأمريكي؟) المعاصر.
رامي، قد تكون مهتما بهذه: http://folding.stanford.edu/" و http://predictor.scripps.edu/. حمستني لأستكمل موضوعا عن الحوسبة الموزعة و دورها في الأبحاث، بما فيها الأحيائية و الوراثة.
يا جماعة، التدوين لا يعني التعليق على الأحداث الجارية فقط. و يا ست نعامة الكتكوت الشرس بالتحديد طرف أساسي في الأحداث :)
زي ماقلت ياد/رامي بدون أي خزعبلات ورغي كتير بخصوص نظرية المؤامرة..أنا شايفة إنه مهم جدًا متابعة التقدم الاسرائيلي العلمي..من ناحية المقارنة بأنها مجاورة،والى آخره،ومن نقطة ان العلم مافهوش عدو وصديق..وان ضروري نعرف كويس الناس دول وصلت فين عشان نبقى قد المواجهة..
بيتوجع قلبي جامد،وبيحز في نفسي أما أدخل لموقع بغرض الاستزادة من المعلومات،أو بحث مطلوب في الكلية،وماالاقيش ضمن اللغات المضافة للموقع (اللغة العربية)
أقرب حاجة حصلت كانت في موقع متخصص في الـPlant taxonomy
أنا مش معترضة أبدًا على دراسة العلوم باللغة الانجليزية..بس من حقنا على الأقل نترجم..أو المفترض ده يحصل.
فروع جديدة في العلم بتتولد كل يوم..والعربي محروم منها..لما كنا رواد الحضارة،أوربا اللي ساعدها تمسك الزمام وتنهض حركة ترجمة ضخمة ..
..........
مستمتعة بتدوينتك..
ومنتظرة الفيض من التدوينات اللي قلت لنا عليه..
:)
سيرين.
نعم يا ألف، المواقع التي ربطتها هي بالضبط مثال على ما أتحدّث عنه، وشكراً لأنّني لم أكن أعرف عن هذين المركزين.
المراكز التي تستخدم الحوسبة لعمل قواعد بيانات ومعالجتها لفهم أسرار الحياة تتضاعف وتمويلها يتضاعف، ومعظمهم مؤمنون بالـ
open source
يعني ينشرون كلّ ما ينتجون وكلّ البرامج مُتاحة.
نعم يا سيرين، معكِ كلّ الحق.
شيء مخجل هو أنّ مساهمتنا في العلم اقتصرت الآن على النباتات النادرة غير الموجودة إلا في مصر، والأمراط المستوطنة كالبلهارسيا.
إنّما فعلنا هذا بأنفسنا، لكنّه شيء مخجل: مصر ما كانتش كده !
ـ
Post a Comment
<< Home