تسونامي والمتحدّثون الرسميّون باسم الله
تسونامي والمتحدّثون الرسميّون باسم الله
(كبسولات)
ـ
تنبيه: اقرأ النشرة قبل الاستخدام
(كبسولات)
ـ
أتردّد قبل كتابة هذه السُطور، فقد تُفهَم خطأً، وقد يؤدّي فهمُها الخاطئ إلى نتيجة عكسيّة. أمّا فهمُها الصحيح فله آثار جانبيّة بسيطة تتراوح من التلبّك المعويّ الخفيف إلى التتنيح المستمّر. تكرار التعاطي قد يؤدّي إلى داء إدمان التفكير، اسأل طبيبك قبل الإقدام على هذه المُخاطرة.
استكمالاً لـما كتبتُه عن كارثة تسونامي، أحبّ الآن أن أتعرّض لما تعرّض له مدوّنون آخرون* وتناقش فيه البشر في المعابد والمساجد والكنائس، وفي الساحات والمقاهي وصفحات الإنترنت.
سأكتُب عن محاولات الإجابة عن الـ"لماذا" اللعينة.
لماذا نسأل لماذا؟
مرّةً أخرى أشعر أنّ الإنسان قد يقبل الموت أو حتّى الحادث الأليم أسهل قليلاً من تقبّل كارثةً كهذه (كارثة لا تزلزل الأرض فحسب، بل أفكارنا الثابتة التي تريد تفسير كلّ شيء)؛ فيَرِد مثلاً السؤال الكلاسيكيّ (الذي يعدّه الكثيرون طبيعيّاً وأعدّه أنا-كعادتي-غريباً): "لماذا حدث هذا؟" يسأل المؤمنون بالله السؤال بصيغة: لماذا سمح الله بهذا (أو لماذا قام الله بهذا)؟ بينما يسأل غير المؤمنين بالله مثلاً: ما معنى هذا؟ لماذا تحدث هذه الأمور عشوائيّاً؟
قبل أن أبدأ جولتي الخاطفة مع إجابات السؤال، أحبّ أن أقول إنّ السؤال في حدّ ذاته شِبه لا معنى له! فبالنسبة للمؤمنين بالله، يُجمِع أكثرُهم أنّ الله أكبر من تصوّرات البشر، وأنّ "طُرُقه بعيدة عن الفحص" وهو-تعالى-أسمى من أن يُسائله إنسان عمّا يحدُث. ووسط الفلسفات الدينيّة المختلفة والمبادئ التفسيريّة في القضاء والقدر، هُناك من يرى أنّ الله خلق العالم وسنّ له قوانينه، وأنّه-تعالى-يترُك الكون يسير بقوانينه الدقيقة، بما تحمله من استثناءات ومفاجآت (أيّ أنّ الله هو السبب الأوليّ لكلّ شيء). بينما يوجد نموذج دينيّ آخر أكثر شيوعاً (بغضّ النظر عن الديانة) وهو أنّ الله فائق القُدرة هو سببٌ مُباشِرُ يُشرِف على كلّ كبيرة وصغيرة في الكون لغرض لا نعلمه. أيّاً كان النموذج، فالخُلاصة دائماً أنّ الله أعلم.
أمّا بالنسبة لغير المؤمنين، فالسؤال عن "كيف يسمح إلهٌ خيّرٌ بمثل هذه الأحداث" لهو سؤال-إلى جانب كونه وقحاً في عُرف المؤمنين-لا معنى له هو الآخر. فكيف يتساءل المُلحد عن صلاح الله مادام لا يؤمن به؟ ولنفترض أنّ الملحد يتّهم إله الكون بالتلاعب بالبشر، فهذا-إلى جانب كونه اعترافاً بوجود الله-فهو أيضاً سؤال لا إجابة له؛ لأنّه سؤال فيه تمرّد على السلطة الإلهيّة وعدم ثقة بها، وبالتالي فهو سؤال مُتَناقض: كيف تطلب ممّن لا تثق به أن يقدّم لك مبرراً يفوق فهمك لكنّه يرضي غضبك في الآن ذاته؟ لن ترضى عن أيّة إجابة إلاّ إن فوّضت هذه القوّة العُليا بالتحكّم في الكون.
على العموم، حيث إنّ المُجتمعات الناطقة بالعربيّة قد طُرِح بها السؤال من مُنطلق إيمانيّ، فلنبقَ في داخل الإطارِ المؤمنِ بالله. يُدهشني-كما نوّهتُ في تعليقي على مكتوب محمّد عن التعاطُف-أنّ الأغلبيّة سواء في الأوساط المصريّة المسلمة أو المسيحيّة (بالأخصّ القبطيّة الأرثوذكسيّة) قد سارعوا بتفسير أنّ هذا غضب من الله و/أو علامة من علامات الساعة.
وإليكُم العرض الپانوراميّ للإجابات الخاطفة ؛ وهي بالمناسبة لم تختلف كثيراً عن تلك التي أعقبت زلزال أكتوبر ١٩٩٢ في مصر:
١) إرادة الله
شاع التساؤل حول إرادة الله ومشيئته من هذا. وشاعت الجدالات حول القضاء والقدر، ومعنى علم الله المسبق ومعنى تدخلّه في الأحداث.
السؤال "أين الله من كلّ ما يحدث: هل هو المُراقِب أم الفاعل أم المُنقِذ أم المُنتَقِم أم كلُّ ما سبق؟" طُرح في قلوب الكثيرين وجاهَر به القليلون على استحياء.
٢) غضب الله
التفسير الأوّل والأكثر شيوعاً هو أنّ الكارثة غضبٌ من الله.
وأنا بصراحة أستغرب الإسراع بهذا التفسير.
لماذا هو غَضَب؟
لماذا لا يكون لُطفاً إلهيّاً؟
لماذا لا يكون نعمةً لا نفهمها بعد؟
لماذا لا يكون قانون من قوانين الكون التي وضعها الله لحكمة ما.
هو لازم الغضب؟
٣) الحمدُ لله
المؤمنون من كلّ دين يتعلّمون ضرورة حمد الله في السراء والضراء. لكن هناك نوعاً ثالثاً من الحمد، حين لا يكون الأمر يتعلّق بالحامِد! يحمد الكثيرون الله أنّ هذا لم يحدُث لهم. مفهومٌ شُكر الله لحمايته المستمرّة لعِباده، لكن هل هذا الحمد عن إيمان أم عن جُبن أم يحمل في العُمق نذالةً لسان حالها يقول: "الحمد لله إنّي أفلتّ من حاجة زي كده"؟ عظيم.. فماذا عمّن ابتُلي بالمصيبة؟ هل يعني هذا أنّه مغضوب عليه؟ ولو لم يكُن... هل بيدك فعل شيء من أجله أم "انفد بجلدك وليهلك من يهلك؟"
٤) "ربّ ضارّة نافعة"
القليل سمعتُهم (أو قرأتُهم) يقولون: ربّ ضارّة نافعة. مع أنّنا بالفعل إن تروّينا وهدأنا لرأينا في هذه الكارثة وكلّ كارثة آثاراً إيجابيّةً قادمة. العالم يتضامن، الأحلاف تتكوّن في شيء غير العدوان والحرب، الكثيرون يعطون بسخاء، الكثيرون يشعرون بفقر تلك الدول التي ربّما لم يسمعوا بها من قبل، التوّتر السياسيّ في بعض الأماكن يهدأ.
٥) لا نملُك سوى الدٌعاء
هذا بالطبع ما فعله الكثير من الطيّبين من جميع ألوان البشر وأشكالهم. (كلّ اللي عنده نبي يصلّي عليه-على حدّ القول الشعبيّ)، وبالفعل لجأ الكثيرون لله بشكل إيجابيّ، بدلاً من التساؤلات السوفسطائيّة. وتساءل البعض: هل تكفي الصلاة والدُعاء؟ اتّهم البعض المصلّين بالهُروب، بينما ردّ الحكماء منهم: الدُعاء وحدُه يكفي بشرط أن يكون الداعي على استعداد ليكون هو استجابةَ دُعائه: فلو كان يملُك مالاً أو غيره، لا يبخل به.
٦) علامات الساعة
علامات الساعة تفسير كلاسيكيّ لكلّ كوارث الكون وأحداثه الجسام. هُناك شيء لا شكّ فيه لمن يؤمن باليَوم الآخر، يوم القيامة يقترب! هذه حقيقة لا جدال فيها: فما دام ذلك اليوم لم يأتِ بعد، وما دام الزمان يمرّ، فلا شكّ أنّه كلّ يوم يكون أقرب من اليوم السابق. فما العبقريّة في اكتشاف أنّه يقترب؟ لا أستبعد أن تولد نظريّة فقهيّة أو لا هوتيّة جديدة بشأن كون القيامة تبدأ تدريجيّاً فتقوم على قَوْمٍ قبل قوم حتى تأتي على البشر جميعاً.
٧) قدرة الله
هذا تفسير أيضاً موجزه أنّ قدرة الله تتجلّى في الطبيعة بكافّة أشكالها. أعطانا الله أرضاً تتزلزل واخترنا نحنُ العيش فيها، اخترنا المُخاطرة بالسكن بالقُرب من السواحل واخترنا تحدّي الطبيعة أحياناً. ما لا أفهمه هو سرّ تلك الشماتة في أحاديث البعض، كأنّهم سُعداء أنّ الإنسان لا يزال عاجزاً أمام الله (أو أمام الطبيعة بحسب الملحدين). يا سادة أفيقوا. الله لا يحتاج إلى مُحامين؛ تتفاخرون بعجز الإنسان والعلم عن حلّ بعض المشكلات، ويوم تُصابون بداء عُضال تترجّون الأطباء أن يجدوا علاجاً، وتدعون الله أن يهدي الإنسان للقضاء على كلّ مرض. عجبي!
أختم بقول إنّني بالطبع لا أنفي أحد هذه التفسيرات السبعة، ولا أثبتها. بل أزعُم أنّ لا أحد يستطيع نفيها أو إثباتها، اللهم إلاّ إن كان قد بُعِثَ فينا نبيُّ جديد.
أخيراً: وجدتُ هذه التعليقات في صفحة الرأي بموقع الإذاعة البريطانيّة-تشمل العديد من النماذج. اقرأوها "يمكن تنفعكم"، ومنها بالتحديد هذه التعليقات **.
ـ
* اقرأ مثلاً لهؤلاء:ـ محمّد، ابن عبد العزيز، حَمَد (أُضيف الأخير في ١١ يناير ٢٠٠٥)
** آراء مُنتقاة
3تعليقات:
تسونامي سيّسوها أيضا.
قيل في زلزال تركيا أنه كان عقابا من الله!! و الجامع بين من يقولون بهذا السبب أو غيره الجهلُ بكيفية حدوث الزلزال. المشكلة ان الناس لا تعرف الكثير عن دينامية الزلازل و ان هناك خطوطا معروفة للجيولوجيون تحدث فوقها الزلازل حصراً تقريبا.
الجهل.
أي مصنع أو بناء يقام في تركيا الآن يحصل في البداية على تقرير بسلامة الأرضية و على أساسها يكون العمل. و من المعروف أن الجبال أمتن الأماكن ضد الزلازل علميا فهل تعرف شعوبنا هذا.
نعم زلزال تركيا كان عقابا جماعيا للجهل. فقد بنا الناس بيوتهم و عماراتهم فوق خط خطير و لم ينبههم أحد. و اقتصدوا فوق كل ذلك بالإسمنت و الحديد فماذا ينتظرون. لماذا لم يعترفوا بأخطائهم و اكتفوا بالإفتراء على الله!
بس
التفسير الذي حاول أن يُقنعني به والدي، أن هذا إنذار لنا من الله، وأن بطشه قريب منا، وفي أي لحظةٍ قد يأخذنا أخذ عزيز مقتدر
لم أناقشه حينها، فقد كنتُ لا مبالياً أصلاً بتفسير ما حدث، لكنني وأنا أقرأ مقالكَ هذا، أتساءل: ولماذا يحتاج الله أن يبطش بشعوبٍ كاملة وجماعاتٍ كاملة من بني البشر، لينذرنا نحن بالتحديد؟
وإذا كان يريد إرسال رسالةٍ مُفادها أنه شديد العقاب، فلماذا التعجيل بعقابِ هؤلاء، وفيهم الصالحون والأبرار مثلما فيهم الفساق والداعرين؟ تماماً مثلنا. ولماذا لا ينذرنا بطشه بأمرٍ آخر لا يستلزم موت جماعاتٍ من البشر؟
الأسئلة ذاتُ جدوى في مضمونها، لكن الإجابة عليها بلا جدوى
نسيتُ أن أضيف، كبسولات مُزعجة فعلاً، تضاهي أقوى منشط تناولته، فهي تجعل الذهن حائراً ومكدوداً من النشاط دونما العثور على إجابة، تماماً مثل ماطور يعمل فجأة بأقصى طاقته، دون أن تكون الآلة التي يُشغلها موصولة به
أظن أن هذه نقطة ضائعة مهمة يجب أن نجد لها حلاً ، لماذا يفقد العقل الاتصال في نقطة معينة بينما يحاول تجاوز أسئلة كهذهِ إلى إجاباتها؟
Post a Comment
<< Home