الاحتجاج السلميّ على الطريقة البعد-طبيعيّة ـ1
ـ اقتراحات بعد-طبيعيّة للاحتجاج السلميّ (١) ـ
يبدو أنّ هناك أزمة إبداعيّة حقيقيّة لدى الحركات السياسيّة في مصر سواء أكانت حركات مُؤَيِّدة ومُعارضة. فقد شاع "الفكر القديم" وانتصر على كلّ "فكر جديد" سواء في الحزب الوطنيّ الحاكم أو في الحزب الوطنيّ المعارض أو في حركات المعارضة المصريّة المختلفة: الطرق القديمة تضمنّت المظاهرات الصاخبة ذات الهتافات التي تعود إلى سبعينيّات القرن العشرين وربّما إلى القرن التاسع عشر أحياناً، والمظاهرات العنيفة ووسائل الضرب والسفالة والوساخة التي احترفتها الحركات المؤيّدة لنظام الحُكم لمدّة عشرات الأعوام (رغم اختلاف نُظُم الحُكم). وحين اقتُرِحَت أفكارٌ احتجاجيّةٌ مبتكرة كحمل الشموع الموقدة وكنس السيّدة، استغرب العامّةُ والخاصّة (أي اندهشوا)، وما غريب إلا الشيطان.
هاكُموا بضعةُ اقتراحاتٍ بعدُ-طبيعيّةٍ، أضعها هُنا بالمجّان (متنازِلاً عن حقوق ملكيّتها الفكريّة). وبما أنّني مواطن عادي مُحايد، فأنا أضعها تحت تصرُّف جميع المواطنين، سواء أكانوا يتبعون الحكومة أو المعارضة أو معارضة المعارضة أو معارضة معارضة معارضة المعارضة.
وإنّما هدفي ليس إلاّ تنمية روح الإبداع في بلدي الحبيب وحقن الدماء ووقاية الأعراض وتقليص الضوضاء، باقتراحات سلميّة عفيفة صامتة غير دمويّة.
١) اقتراحات بورجوازيّة:
معظم هذه الاقتراحات شعارُها (وهو بمنتهى الصدق ليس شعاراً ساخراً، بل مُلهِماً): اللي معاه قرش محيّره يشتري عصفور (حمام) ويطيّره.
١-ا: وردة/باقة ورد لكلّ عسكري:
إيماناً من كلّ مواطن صالح أنّ عساكر الشرطة أغلب من الغلب، لا سيّما عساكر المرور ومجنّدي الأمن المركزيّ وحرّاس الكنائس والمعابد الأثريّة والمتاحف وما إلى ذلك، لماذا لا تقوم القوى المعارضة لاستبداد الشرطة وعملها على قمع الشعب بدلاً من خدمته بالتالي:
كلّ من يشارك في حركة الاحتجاج يقوم بشراء وردة (أو باقة ورد من استطاع لذلك سبيلا)، ويقوم-بشكل منظّم وبتقسيم دقيق لأحياء القاهرة والمحافظات-بإهداء الوردة أو الباقة لعسكري غلبان.
الهدف: إخبار العساكر أنّ الشعب يحبّ الشرطة ويرحّب بحمايتها له، لكنّه يكره أن يقوم رجال الشرطة بالتنازُل عن إنسانيّتهم وقمع المواطنين (إخوتهم وأخواتهم وآبائهم وأمهاتهم وأبنائهم وبناتهم).
الرسالة: الشعبُ يحبّ الشرطة ما دامت في خدمة الشعب/ الشعب يقدّر غلابة الشرطة واحتجاجه على الظلم والظالمين/ الشعب على استعداد لفتح صفحة جديدة مع الشرطة وسيبادر بتقديم الورد لهم.
تحابيش: يُمكن استضافة الصحافة العالميّة لإظهار الوجه الكريم الحضاريّ للبرجوازيّة المصريّة.
البديل الشعبي: وجبة لكلّ عسكري (فول/فلافل/سجق/كفتة؟) انظر رقم ٢-ا
درجة الخطورة: متوسطة. من ناحية، لا يعاقب القانون على إهداء الأزهار للمجنّدين (خاصةً أنّهم يتلقون لحاليح أخرى لإزالة المخالفات)- من ناحية أخرى، بعض هؤلاء العساكر مسلحون وقد يتلقون أوامر بضرب أعداء الوطن الذين يهدونهم أزهاراً مزروعة في إسرائيل وبها هروين مخدِّر أو عقار يصيب بالعجز الجنسيّ.
١-ب: بلالاين الاحتجاج أو التأييد:
تطلق القوى المحتجّة (أو المؤيّدة) بلالين ذات لون متّفق عليه في سماء أحياء وقرى منتقاة: يفضّل أن تكون أحياءً مزدحمة حتى يكون الأثر أكبر (شبرا مثلاً، باب الشعريّة، إلخ...).
المهم ضبط الموعد وحساب عدد البلالين بدقّة حتّى تطير في المكان والزمان المناسبين.
الخطورة: منخفضة. من الصعب ضبط البلالين قبل نفخها، لا سيّما لو أطلقت من البلكونات وأسطح المنازل.
الأثر: يتوقّف الأثر على التخطيط المحكم والدقّة في المواعيد (وهي صفات نادرة في مصر-مع خالص اعتذاري). يمكن تضخيم الأثر بالتقاط صورة من أحد الأبراج الشاهقة.
نشأت هذه الفكرة كـتعليق على "واحدة مصريّة" حين تحدّثت عن مظاهرات القوارب، ثم اقتُبِسَت في مندرة كفاية (وهو ما لا يضايقني) لولا أنّ المقتبِس زعم أنّني اقترحتُ وضع كلمة كفاية على البلالين، وهو ما لم أقُلْه (وهذا ضايقني).
١-ج: "وبعثنا مع الطير المسافر جواب".
الفكرة التالية مستقاة مباشرةً من مثل "اللي معاه قرش محيّره". لماذا لا يُطلق المحتجّون (أو المؤيّدون) أفراخ حمام بيضاء في الفضاء تحمل رسائل احتجاج (أو تأييد). لا داعيَ هُنا لاستخدام الحمام الزاجِل إلاّ إن كان المُرسَل إليه يعيش في قصرٍ عالٍ ذي أسوار وحُرّاس. أمّا إن كان المُرسَل إليه هو المواطن المصريّ الغلبان (والجوعان)، فسوف يخرُج مواطنون غلابة كثيرون إلى أسطُح المنازل لينادوا على الحمام أو يجتذبوه بما لذّ وطاب من الحبوب والشراب، وسوف يأكلونه بالهناء والشفاء، ولكنّهم سيفتحون الرسالة التي قد تكون منشوراً سياسيّاً أو نصّاً احتجاجيّاً أو مطالبةً بمحاكمة ضابط كبير أو عزل وزير. الجديد في الفكرة هو أنّها آمنة وفعّالة.
الهدف: توصيل رسائل الاحتجاج بشكل رائع سلميّ جذّاب لوسائل الإعلام الشرقيّة والغربيّة وفعّال ومُشبِع في آن واحد. أمّا إمكانيّة استخدام الحمام الزاجل فهي لطيفة، وإن كان التدريب مرهقاً والتكلفة باهظة. لكن ماذا لو أمكن إرسال ١٠٠ فرخ حمام زاجل مثلاً برسائل احتجاج على معاملة المساجين إلى سفير أو وزير أو حتّى رئيس وزراء؟ على السادة مدرّبي الحمام إفادتنا بجدوى الفكرة.
تحابيش: يمكن طلاء الحمام بعلامات خاصّة كعلم مصر أو شارات حزبيّة، وإن كان هذا مكروهٌ لتعارضه مع جمعيّات الرفق بالحيوان، ولأنّ بعض المتديّنين قد يعدّونه تغييراً لخلق الله.
في الحالة الأخيرة يمكن كساء الحمام بثوبٍ أنيق، ويمكن للقادرين تغطية الحمام ببدل واقية من الرصاص لضمان وصول الرسائل.
الخطورة: الخطر الوحيد على الحمام، لأنّه قد يُضرب بالرصاص الغاشم لمنع الرسالة من الانتشار. الخطر الآخر على الفرارجيّة وبائعي الطيور الذين قد يتمّ اعتقالهم ومصادرة حمائمهم إذا ما فكّر حزب الغد مثلاً في استخدام الطيور للدعاية الانتخابيّة.
٢) اقتراحات شعبيّة:
٢-ا: وجبة لكلّ عسكري.
هذه الفكرة هي تنويع على فكرة ١-ا، لكنّها أكثر فائدةً وأقلّ خطورة.
يقوم كلّ مواطن محتجّ بشراء سندوتش لعسكري (فول، فلافل، سجق، كبده، كباب، كفتة، مخاصي). ويجوب المحتجّون أرجاء القاهرة والأقاليم مقدمين الشطائر للعساكر الغلابة تضامناً معهم. ممنوع تقديم السجائر حتّى لا ينقسم المحتجون إلى مدخِّن وغير مدخِّن ويتشاجرون. يفضَّل مراعاة أنّ بعض العساكر الأقباط قد يكونون في وقت صيام ويمكن سؤالهم (فول ولا كباب؟؟). يجب أن يكون الخيار مفتوحاً دائماً.
الخطورة: الخطورة أقل من فكرة ١-ا لأنّ دليل "العملة" سيؤكل، وبالتالي لن يتعرّض العساكر للتهديد. لكنّ خطر الشائعات (أنّ الشطائر مسمّمة أو تصيب بالعجز الجنسيّ) قائم.
٢-ب: بمب في القاهرة.
لا أفضّل هذه الفكرة لضجيجها وخطورتها. لكنّها بديل جيّد لفكرة البلالين (١-ب).
هذه الفكرة مُقتبسة عن "المليطة للجميع".
٣) اقتراحات دينيّة/تراثيّة:
٣-ا: زيارة أبو الهول.
بما أنّ فكرة كنس السيّدة زينب أثارت القيل والقال، وكادت أن تُهَدِّد الوحدة الوطنيّة بين مسلمي مصر ومسيحيّيها، وسنيّيها وشيعتها ومتصوِّفيها، وبين المثقفين والشعبويّين، فلا بدّ من تلافي مواطن الفتنة. ماذا عن زيارة موقع محايد وهو موقع أبو الهول؟
الفكرة طبعاً ليست ضرباً من عبادة الأوثان، ولا الفرجة على السيّاح من الرجال والنسوان، بل هي حملة شعبيّة لزيارة تمثال أبو الهول، وهي حركة رمزيّة لا تضرُّع فيها ولا تشفُّع.
ويمكن أن يكون شعار التجمهر: عاجبك عمايل ولادك يا أبو الهول؟ أو مين كسر مناخيرك يا جدّ جدّنا؟
علماً بأنّ وجه أبي الهول يُظَنُّ أنّه وجه الملك خفرع الذي يُنسب إليه الهرم الأوسط من الأهرام الثلاثة.
كم قارئاً من قُرّائي زار الهرم أكثر من مرّة؟
أنا-وبكلّ خجل-زرته ثلاثة مرّات أو أربعة في ثلاثة وثلاثين عاماً.
الهدف: تعبير مرير ساخر عن اليأس وعدم إيجاد من يُنصت سوى تمثال الحجر العظيم.
الخطورة: مرتفعة. من السهل محاصرة المكان، واعتقال الكثيرين والتغرير بهم في غياهب الصحراء.
لتفادي الخطورة: يُمكن أن تكون الحركة صامتة سلميّة وحتّى لا يبدو عليها مظهر المظاهرة (على طريقة نهاية فيلم الإرهاب والكباب). لكنّ زيادة عدد الزائرين بشكل ملحوظ سيلفت النظر إلى أنّ نوعاً من العصيان المدنيّ يُدَبَّر وأنّ المصريّين قد قرّروا فجأة الالتفات إلى تراثهم.
في الحالة الأخيرة سيصعب على الأمن ملاحقة المحتجين، فإمّا أن يمنعوا زيارة الأثر (وهذه خسارة فادحة) أو أن يعتقلوا كلّ من يزور "أبو الهول" من المصريين، (وهي فضيحة عالميّة). كذلك، فإنّ وجود السيّاح سيحدّ الخطورة قليلاً.
أكتفي بهذا القدر، وأدعوكم للعصف الذهنيّ تمهيداً لاقتراحات أخرى.
هل من الممكن مثلاً:
- مقاطعة التليفزيون المحليّ لمدّة ساعة؟
- تناول وجبة الغداء في وقت واحد في مصر (على غرار ما يحدُث في إفطار رمضان)، حتّى تصير الشوارع شبه خالية من المارّة؟
- عدم أكل الكوسة لمدّة أسبوع احتجاجاً على الواسطة والفساد؟
وسّعوا خيالكم (على رأي حمُكشة) وأرسلوا اقتراحاتِكُم
اقرأ أيضاً:
ـ Post-oppositionism ما-بعد المعارضيزم
ـ الدين لله والمليطة للجميع
ـ
6تعليقات:
Egyptians demonstrations do lack innovation big time. It was interesting to see some kind of a street theatre in the candle light protest, but reciting poetry and playing oud doesn't do the effect required either. The ideas you present are good, and this is the kind of stuff we need, I think, whereby one picture of such a protest can say alot --without the shouting, large mispelled signs or huge amount of people. Egyptians are learning the art of protest these days it seems however.
مبدئيًا كلام كويس، وخاصة الجزء الخاص بالسندوتشات :)
دعوة الورود ابتداها الأوكرانيين في يناير اللي فات، وطلعوا الشوارع في عز البرد، والمعارضة على نتائج الإنتخابات اللي قاموا بيها كانت تقديم الورد للعساكر، الاضطراب والوقوف في الميدان العام للعاصمة لمدة اسابيع لغاية ما الحكومة رضخت وسمعت وعبرتهم، بس هناك كان في فريقين بس، الفريق الأزرق والفريق البرتقالي مش معارضة ومعارضة المعارضة ومعارضة معارضة المعارضة.... في مصر في حركة ألوان الطيف... وسلم لى على الطائر الأحمر
انا معجب جدا بفكرة التظاهرات اللا نمطية,بس في حاجات ما تنفعش لمجتمع زي مجتمعنا ,زي موضوع الورد
موضوع الوجبات منطقي و عملي و حقيقي جدا,و الفكرة بالفعل بتتم في كل رمضان
في مباريات الكرة في تونس في دقيقة معينة الخمسين الف في مباريات الترجي بيدبدوا برجليهم لمدة نص دقيقة في وقت واحد خلال المباراة لما فريقهم بتبقي علةية هجمة خطيرة,و دة كفيل بتشتيت تركيز اي منافس
متخيل تنويعة عالفكرة دي ؟؟؟سوق انت بقي؟؟؟:)
DR. R
مش عارفة فى إيه فعلا.. بس مدونتك مش واضحة خالص عندى.. مع إنى بستخدم
opera
أنا على فكرة دست على أول كلمة تعليق وجتها فى وشى.. لإن كل حاجة داخلة فى بعض
و المشكلة دى ظهرت من بعد ما خلصت الحداد.. أرجوك تدارك الأمر عشان مش عارفة اتابعك
الغريبة إن المدونة مظبوطة جدا على
fire fox
مش عارفة فين المشكلة بقى!!!!
دي مش أول زيارة لي للمدونة بس أول تعليق عشان كده واجب الأول أبارك لك على الدكتوراة ياد.رامي- رغم انها متأخرة شوية.
بالنسبة لفكرة الزهور و البوليس أحب أقولك أنها قديمة لأن الحكومة ابتدعتها قبل كده، لما حصلت من 3 أو 4 سنين مظاهرات في جامعة الأسكندرية وراح ضحيتها محمد السقا قامت الحكومة عملت صلح بين الطلبة-تقدر تقول أنه اتحاد الطلبة- والأمن المركزي و فيه سلم كل طالب على عسكري و تم تبادل الورد-للحق أنا ماشفتش الوردة بس اللي شافها وقالي عليها مصدر موثوق منه.
عجبني تحليلك للي حصل في كنس السيدة،أنا بصراحة استغربت الفكرة بمنطق-أظن علاء الدين هو صاحب التعليق- ان ايه الهدف من وراها؟ بس كان رأيي و مازال ان أهم ما فيها محاولة الوصول للناس البسيطة بحركة كفاية...طبعا بعد المقال فهمت ان المبادرة أصلا مش من كفاية بس رأيي أن هدف كل المعارضة دلوقت واحد وهو تحريك المياه الراكدة و التغيير.
أهم حاجة قلتها في نظري هي تعليقك على سياسة رد الفعل اللي متبعاها المعارضة-أنا كان لي تعليق مشابه في مدونة واحدة مصرية-عدم وضوح الرؤية ووجود خطط بديلة وواضحة هو أكبر خطر بيواجه حالة الهياج والمعارضةو الرغبة في التغيير الموجودة الان في مصر،لازم يكون فيه تخطيط وتحرك في مواجهة الحكومة أي معارضة قوية لازم يكون فيها هجوم وارباك للخصم مش انتظار خطواته للرد عليها
Post a Comment
<< Home