الفول السوداني وحقوق القرد
ـ وعد: أعدكُم أن تكون هذه آخر تدوينة عن مواقف تحدث لي خلال السفر، على الأقلّ لمدّة شهرين من اليوم، والسبب البسيط هو أنّني لن أسافر لمدّة شهرين على الأقلّ، قولوا إن شاء الله ـ
كما هو واضح من الوعد أعلاه، أحاول التوقُّف عن تحويل هذه المدوّنة من "لنتعدَّ الطبيعيّ" إلى "لنغرق في العادي!" أو إلى "سفريّات رامي المملّة"، لكنّ ما حدث هذا الصباح جعل أصابعي تأكُلني، ورغم نُعاسي وتعبي، قفزت الأصابع نقراً نقراً على لوحة المفاتيح، لتسجيل لوحة هذا الصباح من فنّ الحريّة المرفّهة.
ولسببٍ ما أريد أن أكتبها على طريقة كتاب النصوص بتاع ثانوي!
لم أنَمْ من ليلةِ الأمس كثيراً. فقد أنهيتُ حزمَ حقائبي في ساعةٍ متأخّرةٍ من الليل، بل قُلْ ساعةً مُبَكِّرة من الصباح. وقد تسألني عن سبب سهري، ويؤسفني أنّني سأخفيه عنكَ، فلا علاقةَ لهُ بما أريدُ قوله، وأنا لا أبغي إلاّ تفادي الاستطراد غير الضروريّ، للدخول في الموضوع بلا مقدِّمات لا داعيَ لها. كلّ ما في الأمر أنّني لا أتذكّر أبداً أنّني حزمتُ حقائبي مُبَكِّراً، وكأنّه صارَ طبعاً يغلبُ كُلَّ تَطَبُّعٍ.
ولأنّ موعد الطائرة التي ستُعيدُني من سان فرانسيسكو هو الثامنة والنصف، ولأنّ إجراءات الأمن المُستَحدَثة تتطلَّب وجودي في المطار قبل الطائرة بساعةٍ ونصف على الأقلّ، ولأنّ المطار يبعد عن الفندق مسافةً تُقطَع في ما لا يقلُّ عن عشرين دقيقةً من الزمان، ولأنّ...
أف...
إيه الملل ده.
ـ
كلّ ما في الأمر أنّني استيقظتُ حوالي السادسة صباحاً بعد أن نمتُ في الثالثة، وذهبتُ إلى المطار نصف نائم، ومررتُ بطابور التفتيش الطويل، ثم ووقفتُ في طابور طويل آخر لآكل أيّ شيء قبل الركوب لأنّ الطائرات الداخليّة حالياً لا تُقَدِّم وجبات إلاّ للدرجة الأولى، ثم هرولتُ إلى باب الطائرة قبل أن آكل ما ابتعته، وإذا بي أسمع أغرب تحذير سمعته في حياتي:
أحد رُكّاب الطائرة رقم كذا المتّجهة إلى كذا لديه حساسيّة شديدة من فول السوداني.
الرجا من السادة الُركّاب عدم اصطحاب أيّة مأكولات أو مشروبات تحتوي على الفول السوداني أو زبدة فول السوداني إلى الطائرة، وشكراً.
وبعدها بدقيقتَيْن: مرّةً أخرى، نحبُّ أن ننبِّهَكُم: هذه الرحلة خالية من فول السوداني ومشتقّاته.
This flight is a peanut-free flight!
أمّا في الطائرة، فقد قدّموا-لمن اشترى-أكياس المقرمشات، وقد استبدلوا الفول السوداني فيها بالـكاشو!
يا حلاوة يا ولاد!!! يعني لو خدت كيس سوداني في جيبي هيشمّه؟
ماذا لو كان أحد الرُكّاب "قرداً"؟ هل كان صراع سيشبّ بين حقوق الفرد وحقوق القرد*؟
نظرتُ في كيس الطعام الذي ابتعته فوجدت موزةً (ثمنها دولار بالمناسبة!) خفتُ من القرد المزعوم-وجوده يهدّد وجودي!
أتذكّر كم كُنتُ أتبرَّم في عامي الأوّل في الولايات المتّحدة لرؤية كم العلامات التي تشير إلى المعاقين، وكراسيهم المتحرّكة، وكيف أنّ جميع أرصفة الشوارع بها فتحات منحدرة لإتاحة حركة من على كراسي مُتَحرِّكة. كُنتُ وقتها أعتبر هذا مستفزّاً مقارنةً بأنّ المواطن غير المُعاق لا حقوق لها أصلاً في بلدي.
ـ "قالبين البلد كلّها يعني عشان المعوّقين؟"
ـ يعني يقعدوا في البيوت؟
ثم تنبّهتُ فجأة إلى أنّ المواطنين ليسوا "ليموناً". العدد في الليمون، لكن كُلّ إنسان هو إنسان. سواء كان ١٪ أو حتّى ١ في المليون*. فهذا الراكب "الحسّاس" ضمن حوالي ١٠٠ راكب لا يزال "إنساناً" "فرداً" له حقّ أن يركَب الطائرة دون مخاطرة بصحّته.
ثم دارت في ذهني تخاريف سببتها قلّة النوم:
حقوق الفرد
عقوق الفرد
حقوق القرد
حقوق الجماعة
حقّ الله
حق المجتمع
حقّ الوطن
حق الترللي
مواطن واحد؟
قلّة منحرفة
واحد في المية.. يبقي أقليّة
إنّ شعب الطائرة لن ينثنيَ ولن يتراجع عن حقّه في أكل السوداني من أجل حالة استثنائيّة، لا سيّما في هذه المرحلة الحرجة.
لا تنسوا أنّنا كلّنا سنأكل السوداني قريباً، بمزاجنا أو بدونه!
وتصبحوا على خيير
ـــــــ
* هامش: لاحظ الجناس الناقص بين الفرد والقرد، وبين الليمون والمليون (وهو جناس أكثر من ناقص)
كم كانوا يفسدون علينا النصوص بمصمصتها وإعطائنا العظام!
ـ
5تعليقات:
أنا لى طلب عندك ، أنا بصراحة من عشاق متابعة اخبار سفريات رامى
لكن لى رجاء ، تخف علينا شوية في نقل صور الحرية المرفهة الامريكية .. و تراعى ظروفنا التاريخية و المكانية و أننا مواطنيين شرفاء نعيش في ظل نظام السيد الرئيس
و كلامك هذا يجعلنا نتحسر على حالنا و يصيب البعض بارتفاع الضغط
و البعض الأخر قد يبصق على الأرض ويقول
-يا بختهم .. جتنا نيله في حظنا الهباب
يا راجل
عندنا في ف إسكندرية حبة أرصفة ناحية محطة الرمل و المنشية فيها موضوع المعاقين ده
مش دي المشكلة
المشكلة إن الناس ما كانتش عارفة إيه إيه ده قيل ما يحفروا عليها بالأسمنت رمز المعاقين
الناس كانت بتحسب إصحاب المحلات عاملينها عشان يطلعوا البضاعة
و كإننا ف مصر مش متوقعين أي حقوق أو إن أي حاجةممكن تتعمل من باب حقوق الإنسان
و للأسف لو إحنا قرود
مش حنلاقي فول سوداني ناكله
انا مش عايزة ازعل ابليس بس الموضوع بتاعك فكرنى بلوحة فى متشجن مرسوم عليها بطة كبيرة و عدد من البط الصغر و هما بيعدوا الشارع و مكتوب احذر البط بعد علامه لتهدئه السرعة. و ذكرتنى يومها بحادثه وقعت فى مصر الجديدة عندما صدمت عربية ابن بواب و كان تعليق احد المشاهدين"حصل خير يا جماعة الواد شكلة كويس هو يمكن رجلة انكسرت بس"
حكت زميلة في العمل أن أخاها ذهب طفلا يطعم القرود في حديقة حيوانات الجيزة، فأخذ يناول القرد من كيس الفول السوداني حبة حبة و القرد يأخذها منه ليلتهما قبل أن ترتد يد الطفل إليه، حتى إذا نفد الفول و امتنع الطفل عن مناولة القرد مد القرد يده من القفص و لطم الطفل لطمة شديدة على وجهه أبكته.
(المغزى من القصة: القرود في بلدنا أخذت حقوقها من زمان، انظر حولك في الشارع)
مساء الفل يا ر امي.
تاني تاني كده ؟ بدل كيس السوداني
كيس كاجو ؟
و اذا علمنا ان كيلو السوداني ب 12 جنيه
و كيلو الكاجو ب60 جنيه
يبقي احنا ممكن نعمل بيزنيس مع الاخ بتاع حساسية السوداني
نركبه في طياره مليانه سوداني
ترجع مليانه كاجو
اسمه ايه ؟؟ ماخدتش نمرة تليفونه ليه !؟؟
في حد يفوت فرصة زي دي بالذمة
Post a Comment
<< Home