كان يا ما كان
مَصدَر الدّهشة الأكبر، هي أنّني لم أجِد الكثير لتغييره بِها، اللهمّ إلاّ تعديلات نادِرة في اللغة، لا في المضمون
كان يا ما كان...
كان يا ما كان زمان قبيلة
كان أفرادُها يعملون ليأكلوا..
كانوا يتنفّسون، ويأكلون، ويشربون،
ويتزاوجون، ويتصارعون..
وينامون..
كان يا ما كان زمان قبليةوكانوا... يحلمون...ـ
وكان أفرادُها يتكاثرون..
كالنملِ يتزايدون..
ولمّا زاد عددهُم، زادت مشكلاتُهم..
زادت صراعاتُهم..
وزادت خِلافاتُهم..
و...ظلّوا يحلمون...ـ
كان يا ما كان زمان قبيلة
كان أفرادُها كثيرين
وكانوا مُختَلِفين
وكان لهُم زعيم
لا أحد يعلم مِن أين أتى الزعيم؟
لا أحد يعلم منِ اختار الزعيم؟
ولكنّهم...ظلّوا يحلمون...ـ
كان يا ما كان زمان قبيلة
كان أفرادُها شُجعاناً، ولكنّهم كانوا يخافون!
مِن آبائهم يخافون..
مِن الطبيعةِ يخافون..
مِن الزعيم.. مِن الهلاك.. مِن المَوْتِ..
مِن ظِلِّهم يخافون..
وكانوا...بما يخافون يحلمون...ـ
كان يا ما كان زمان قبيلة
وكان في القبيلةِ زارِعٌ، وتاجِرٌ، وصائِدُ وُحوش
وكان في القبيلة ساحِر
كانوا يخافون الساحِر
حتّى الزعيم يخاف الساحِر
لا أحد يعلم مِن أَيْنَ أتى سِحرُه
كانوا يُريدون أَن "يتّقوا شرّه"كانوا يحلمون!ـ
قالَ السّاحِر: هذا إلهٌ فاعبُدوه
نظر الناس إلى الإله** فعبدوه
قالَ السّاحِر: هذا شرٌّ فاتّقوه
بَحَثَ النّاس عن الشرِّ فلمْ يجِدوه
فكّر الناسُ في الشرِّ فخافوه
قال السّاحِر: الشرٌّ "شَيْطانٌ"؛ حارِبوه!
بَحثَ الناسُ عنِ "الشَّيْطان"...
وَحشٌ هو أم إنسان؟
كيفَ نُحارِب من لا نَراه؟؟
قال السّاحِر: حارِبوه.. اقتلوه..
خافَ الناسُ مِن الشَّيْطان
قالوا: ننساهُ، وننام..
لكنّهم رأَوْه.. نعم رأَوْه..وهُم يَحلَمون
ـ
كان يا ما كان زمان قبيلة
كانَ أفرادُها يَتَصارَعون
وكانوا يَتَصالَحون...
قالَ زَعيمُهم يوماً: حارِبوا!
قالوا: مَن نُحارِب؟
قالَ: حارِبوا "الأعداء"!
خَرَج الناسُ وراء الزعيم
قالوا: نموتُ ويبقى الزعيم
قاتَلوا.. قُتِلوا..
وعادوا "مُنتَصِرين"...
قالَ الساحِر: النصرُ للإله
قالَ الناس: النصرُ للزعيم
قالَ الساحر: النصرُ للإله وللزعيم!
قدّم الناسُ قرابينَ للإله
قدّموا هدايا للزعيم
وما تبقّى مِنَ الغنيمةِ اقتَسَموه.
ثمّ سأل الناسُ أنفُسَهم وهم يقتسمون الغنائم:
مَنِ "الأعداء"؟!
هُم مِثلُنا.. تماماً مِثلُنا..
ففيمَ القِتالُ؟ وفيمَ العَناء؟
ولماذا بذلنا الدِماء؟
لِماذا فقدنا الأخوةَ والأبناء؟
من الأعداااء؟
قال الساحِر: هم حُلفاءٌ للشيطان!
-الشيطان؟- ملعونٌ هذا الشيطان!
أفي الحربِ والسِّلمِ نراه؟
في الحلِمِ والعلمِ نراه؟
...
عادَ الناسُ في المساء
عادوا تكسوهم دِماء
ولأوّل مرّة، ناموا ولَمْ يَحْلَموا:
كانوا يُفَكِّرون!!
وسرعانَ ما زالَ الفِكرُ.. وعادوا يعملون ليأكُلوا..
يتنفّسون.. يأكلون.. يشربون..
يتزاوجون.. ويتصارعون..وينامون...ـ
مَضَت أيّام.. مَضَت أعوام
ذهَبت أجيال.. جاءت أجيال
نُظُمٌ حلّت.. نُظُمٌ ولّت
القبيلة هي القبيلة، وإن اختلفت أسماؤها...
الناس هم الناس، وإن اختلفت ألوانُهم وأشكالُهم
الزعيم أنجَب مِئات الزُعماء:
رئيس.. ملِلك.. مُدَرِّس.. مُدَرِّب
الساحِر أنجَب آلاف السَّحرة، يضعون أَلْفَ قِناع:
كاهِن.. كاتِب.. طَبيب.. فيلسوف
والناسُ وراءَهم يسيرون
اعتادوا أَنْ يسيروا، أَنْ يبحثوا عمّن يَتبَعون
اعتادوا أن يَخافوا، مِن ظِلِّهم يخافون
وهُم دائِماً عَنْ شَيْطانٍ يَسأَلون
بِه يبرِّرون ضعفهم
يُبَرِّرون خُنوعَهم...
دائِماً يَسألون
ثمّ ينامون،
وبِالحِلمِ يَكتَفون...
فمتى يأتي يومٌ فيه يُفيقون؟
متى يأتي يومٌ فيه يُفيقون؟
متى يأتي يومٌ فيه يُفيقون؟
متى يأتي يومٌ فيه يُفيقون؟
نُشِرت لأوّل مرّة سنة 1992
في مجلّة "حدّوتة"-
التابِعة لجمعيّة خضرة للتنمية وحِماية البيئة