الله
إلى ألف الذي شاركنا بـتلك السطور الرائعة
وإلى إبليس كما وعدته منذ شهور
أذهب لأسترخي ساعة الغروب على شاطئ النهر...
...
..
شيءٌ مِن حنينٍ ينتابُني..
أَحَنينٌ إلى الوطن؟
أنظُر إلى النهر السخيّ المتدفِّق.. إلى السماء الممتدّة.. إلى الطيور المنسابة في حضن سكينة الغروب..
أسمعُ صَوْتاً ما يغلِّفُني من الداخل ..
سآخذُك في رحلةٍ إلى الوطن؟
- مصر؟
.. لا إجابة ..
الوَطَنَ الوَطَن...أُغمِضُ عينيّ
صوتٌ أعمق يأتي من الداخل والخارج في رنين يهزّ كياني
الوَطَنَ الوَطَن...
من حيثُ أتيتَ
مصدرُك وغايتُك ورفيقُك
النبعُ والمصبُّ وما بينهُ(ما)
أغوصُ في داخلي.. إلى داخل تاريخي وتاريخ بني جنسي الذين سبقوني
أغوصُ في عُمق.. هدوء.. سكينة.. انسياب..
صمتٌ
...
..
.
أنا هو الربُّ إلهك الذي أخرجك من بيت العبوديّة... لا يكُن لك آلهة أخرى أمامي...
بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم...
في البدء خلق الله السماوات والأرض...
في البدء كان الكلمة...
آتون.. أيّها العظيم.. تُشبع كلّ حيّ
أنا يهوه قدّوسكم... مجدي لا أعطيه لآخر...
الكائن والذي كان والذي يأتي ...
الله الذي خلق السماوات والأرض...
مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ...
وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ...
الألف والياء الأوّل والآخر...
أزدادُ قشعريرةً ومهابة...
يزدادُ تنفُسّي انتظاماً ويسترخي جفناي المُطبَقان
السكينة والانتظام يجعلانني أفقد الإحساس بجسدي وبما حولي
تأخذني نسمة هواء لطيفة إلى خارج نفسي
أرحل على بساط ريحها شرقاً وغرباً..
شمالاً وجنوباً..
ترفعني وترفعني حتّى أشعُر أنّني على عُلوٍّ يسمح لي برؤية كلّ بقعة على الأرض دون فقدان التفاصيل الدقيقة...
ماذا يحدُث هُنا وهُناك؟
مآذن مرتفعة تخرُج منها أصواتٌ متحّدةٌ مع الطيور مسبّحةً إلهاً هو أكبر.. لا إله إلا هو.. لا سواه
منارات تُدَقّ فيها أجراس، ويرتفع منها بخورٌ ومعه صوتٌ ينضمُّ إلى صوت الريح والطيور وصفوف الملائكة: قُدّوس قُدّوس قُدّوس ربّ الجنود.. السماء والأرض مملوءتان من مجدِك الأقدس
ثم أنظر شرقاً فأرى المئات يمشون خاشعين..
ويردّدون:
أووومم أووومم في صوتٍ رخيم يُذيب ما تبقّى من مفاصلي خشوعاً
أووم أيُّها الكائن الذي يجمع البشر بين جناحيه
أيّها التآلف والتوازُن الذي بدونه ينهار الكون والكائنات
تتحرّك شفتاي دون صوت معهُما
قدّوسٌ قدّوسٌ قدّوسٌ ربُّ السماء والأرضأُترَكُ صامتاً لفترة
الشمسُ والقمرُ مملوءان من مجدك الأقدس
الموجة والفوتون مملوءان من مجدك الأقدس
الطيرُ والليلُ والخليّة والمجرّات
الطفلُ والكهلُ والبحورُ والثمرات
جميعُهم يملؤهم مجدُك الأقدس
...
أبو غريب وأشكويتز مملوءان من مجدك الأقدس
الجائع والشبعان مملوءان من مجدِك الأقدس
لندن ومكّة مملوءتان من مجدك الأقدس
نيو أورليانز وپاكستان مملوءتان من مجدك الأقدس
بيتي ومخبأ بن لادن مملوءان من مجدِك الأقدس
...
..
.
لا أجسُرُ على الحركة لئلاّ تهتزَّ صفحةُ رُوحي التي صَفَت فتتعكّر برواسب أفكاري وضجيجِها
مَن أنتَ يا مَن ترَك أبناءُ الملوك عُروشَهم وتشرّدوا في البراري سعياً لإرضائك؟
مَن أنتَ يا من أنفقَ البُسَطاء ما يملكون كي يبنوا لكَ ما يظنّونه بيوتاً تحويك(!) وتكرّمك؟
مَن أنت يا مَن يتنفسك الجميع ثم يتجادلون إِنْ كان لك نفعٌ وتترُكهم يتجادلون كي لا تنشغلَ بهرائهم عن إِحيائهم؟
مَن أنتَ يا مَن لا يراك أحد ومع ذلك يضعونك في أولويّة ما يفعلون ويحرصون على إرضائك بعلمٍ أو بجهلٍ؟
من أنتَ يا مَنْ يستعدّ الكثيرون للموت لأجلِك، وقد يقتلون غيرَهم أيضاً طمعاً في إرضائك؟
مَنْ أنتَ يا مَنْ تُخرِج مِنّا أفضل ما فينا، وتبعث فينا طاقةً تُخرِجُنا من ذواتِنا وتُحرِّرُنا تدريجيّاً من سُلطان الأنا المميت المدمِّر؟
مَن أنتَ يا مَن لا تحويك سماء ولا أرض، ومع ذلك يتناغم معك قلبٌ طِفلٌ وقلبُ طفلٍ معاً في لحظةٍ لا نهائيّة من الزمان؟
..
.
وورق الشجر
وشعاع الشمس الغاربة
وقرص البدر المتلألئ
ونجمةُ الصُبح الهامسة
وتقولُ خلجاتي ونبضاتي:
هو هو.. فمن أنتَ؟