سعادة الباشا الطالب! ـ
انتَهَى بالأمس "أسبوع البحث عن مُستَشار" للجامعة التي أدرس بها. المُستَشار هو الرجُل الثاني بعد رئيس الجامعة؛ ولكِنْ لأنّ هذه الجامعة لها أكثر من فرع بالولاية، فمُستشار فرع مِمْفيس هو بمثابة رئيس ذلك الفَرْع.
كَيْفَ يُختار ذلك المُستشار؟ القرار النهائيّ لرئيس الجامعة (والأخير نفسه يعيَّن من بين عدّة مُرَشَّحين بعد غربلة وبعد لقاءات مع الكثير من الأساتذة والمستشارين، إلخ...). ولأنّ منصب المُستشار قد خلا، فقد بدأ البحث عن مُستشار العام الماضي وتقدّم للوظيفة ثلاثة (التقَيْنا بهم في العام الماضي لإبداء الرأي-كما سأشرح حالاً).
لكنّ الأمر كان شائكاً، فكيف يُعَيَّن المُستشار، ومنصب الرئيس خالٍ (بعد فضيحتَيْن قاسيَتَيْن أجبرتا رئيسَيْ الجامعة السابِقَيْن على الاستقالة: الأوّل لعلاقة مع موظّفة، والثاني لعلاقة أيضاً صرف عليها من مال الجامعة!!).
الخُلاصة.. تأجّل اختيار المُستشار لحين تعيين رئيس، واختير الرئيس بعناية-بعد أن لُسِع مجلس الجامعة من الشوربة-ثمّ جاء وقت البحث عن مُستشار.
شُكِّلت اللجنة، واختارت ٢٨ مرَشّحاً من أماكن مختلفة في الولايات المتّحدة، تم غربلتهم إلى ثمانية، ثم سبعة بعد اعتذار أحدهم.
هي وظيفة إذن، ليست بالتدرّج الوظيفي كما في مصر، بل بالأسلوب الأمريكيّ تقديم السِيَر الذاتيّة، والتنافُس من كلّ مكان وزمان.
سيختار رئيس الجامعة المستشار بناء على توصيّة اللجنة، ولكن اللجنة تحتاج تقييماً موضوعيّاً. من يقيّم السبعة إذن؟
شيء لا يُصَدِّقه عقل، ولا يتخيّله طالب مصريّ سابق اعتاد أن يقومَ للمعلم ويفيه التبجيلا (وأيضاً اعتاد قفاه الخَوْفَ من المعلّم وتعلّم اتّقاءَ غضب الأساتذة). مَن يقيّمون المستشارين السبعة يا سادتي القرّاء الأفاضل هم: الأساتذة، والعمّال والموظّفين بالجامعة، والطلبة. هل التقييم مجرّد رأي؟ نعم ولا. إنّه ليس تقييماً بالمعنى العاِبر، إنّه استجواب
interview
يعقبه ملء استمارة تقييم*.
على مدى الأسبوع الماضي، كان كلّ مرشّح من كلّ حدبٍ وصَوْب يُشاركنا وَجبة إفطار أو غذاء، نحنُ قادةَ المجموعات الطُلاّبيّة أو ممثلّينا: اتّحاد الطلبة العام، اتّحاد طلبة كلّ كليّة، جمعيّة الطلاّب السود (الأقليّة)، جمعيّة الطلبة الدوليّين (يعني الأجانب) والتي يرأسها أو يمثّلها) العبد لله.
هؤلاء المرشّحون يشملون رئيساً لقطاع بشركة أدوية شهيرة، عميداً لكليّة طبّ، مُستشارة حاكم ولاية نيويورك للشئون الصحيّة، عميد كليّة الصيدلة بجامعتنا، نائب مستشار جامعة كذا، وهلمّ جرا...
"ناس كُبّارة من الآخر يعني"، وفي مصر ينحني لهُم البعض، ويمسحُ لهم البعضُ الآخر الجوخ.
هؤلاء المرشّحون يدخلون مبتسمين، يسلّمون شخصيّاً على الطلبة المُحاوِرين، يقدّمون موجزاً عن أنفسهم و لماذا يريدون العمل في ممفيس.
أمّا الطلبة (نحنُ)، فنجلس بكلّ "ألاطة"، ونُمطرهم بالأسئلة ونحنُ نقضُم الطعام.
سين: كَم طالباً تعرف شخصيّاً؟
سين: ما تجرُبتك في التعامُل مع الطلبة؟
سين: تاريخك يقول إنّك عملت كثيراً في مجال الطبّ، كيف ستواجه تحدّي التعامل مع كلّيات مختلفة؟
سين: لماذا مستوانا أقل من هارڤارد وجامعات كاليفورنيا؟ كيف يمكننا منافستهم في نظرك؟
سين: لماذا تريد ترك وظيفتك الحالية؟
سين: كيف ستتعامل مع عجز الميزانيّة وتقليصها؟ هل سترفع المصاريف؟
سين: ما رأيك في ضرورة تعدّدية هيئة التدريس؟ جامعتنا حالياً نجحت في إعطاء فُرَص متكافئة للطلبة الأقليّة (السود يعني)، لكنّها لم تنجح بالقدر نفسه في تعيين أساتذة من الأقليّة (سود يعني).
كلّ هذا...
والمرشّحون جالسون مؤدّبون، عالمين الوزن الذي تُعطيه اللجنة لصوت الطلبة، ولا سيّما للطلبة السود (الذين عانوا قروناً من التفرقة والحِرمان من بعض الوظائف)، يحرصون على كلّ كلمةٍٍ يقولونها، يكادون يحلفون (كلّ بطريقته) أنّهم "بيموتوا في الطلبة" "هو فيه أحسن من الطلبة"، "أنتم المُستقبل"، "أنتم الخير والبركة".
ولي أنا بالذات: "إحنا من غير الباحثين الأجانب ما نقدرش نتقدّم" "أمريكا بلد احترام الجميع وإعطاء الفُرَص المُتَكافئة"
"يا سعادة الباشا الطالب"
...
يا لانقلاب الآية...
على رأي أهل البلد: "القيامة قامِت يا ولاد.. الطالب بيعيّن الأستاذ.. دي آخر الدُنيا"
وهي ليست آخر الدُنيا.. فالأستاذ والمُستشار يعلمان.. أنّ مصاريف الطالب تدفع راتبه. وأنّ سمعة الجامعة تجلب طلبةً وباحثين أكثر، فلو انخفضت أفلست الجامعة وانتفى البحث العلميّ بها.
هذا يا سادة ما كُنتُ أفعله الأسبوع الماضي...
وكلّ هذا لأتعلّم وأتنوّر وأحصل على الدكتوراه،
وأعود لأتبوأ مكاني في السلك الجامعي...
وأتدرّب على التعامل مع أقفية الطلبة
وبالتأكيد سأنسى ما تعلّمته في هذا الاجتماع،
وسأستمع للنصيحة الخالدة:
"لو تطاطي مرّة للطلبة هيركبوك. لازم تلطيش. لازم هيبة. أنت رمز الجامعة"
وسيتحوّل "سعادة الباشا الطالب" إلى... "أبنائي الطلبة.. اسمعوا كلامي أنا زيّ أبوكم"
نظام غير النظام
قيَم غير القيَم
والعبرة بالـ...
"العبرة بإيه بالظبط؟"
الله أعلم
* جزء من استمارة التقييم التي نملأها بعد مقابلة كلّ مرشّح (تبقى متاحة على الشبكة لثلاثة أيّام تقريباً بعد لقاء كلّ مرشّح- وبالمناسبة لا توجد احتياطات أمن لمنع الغش والتلاعُب، فالثقة مُفترضة في القيادات الطُلاّبيّة؛ وبسبب هذه الثقة لن أقدر أن أرسل لكم الموقع حتّى ينتهي التقييم).
تحديث (١٤ يناير ٢٠٠٥):
انتهى التقييم، وها هو الرابط (لن يبقى فترةً طويلة).
ـ
كَيْفَ يُختار ذلك المُستشار؟ القرار النهائيّ لرئيس الجامعة (والأخير نفسه يعيَّن من بين عدّة مُرَشَّحين بعد غربلة وبعد لقاءات مع الكثير من الأساتذة والمستشارين، إلخ...). ولأنّ منصب المُستشار قد خلا، فقد بدأ البحث عن مُستشار العام الماضي وتقدّم للوظيفة ثلاثة (التقَيْنا بهم في العام الماضي لإبداء الرأي-كما سأشرح حالاً).
لكنّ الأمر كان شائكاً، فكيف يُعَيَّن المُستشار، ومنصب الرئيس خالٍ (بعد فضيحتَيْن قاسيَتَيْن أجبرتا رئيسَيْ الجامعة السابِقَيْن على الاستقالة: الأوّل لعلاقة مع موظّفة، والثاني لعلاقة أيضاً صرف عليها من مال الجامعة!!).
الخُلاصة.. تأجّل اختيار المُستشار لحين تعيين رئيس، واختير الرئيس بعناية-بعد أن لُسِع مجلس الجامعة من الشوربة-ثمّ جاء وقت البحث عن مُستشار.
شُكِّلت اللجنة، واختارت ٢٨ مرَشّحاً من أماكن مختلفة في الولايات المتّحدة، تم غربلتهم إلى ثمانية، ثم سبعة بعد اعتذار أحدهم.
هي وظيفة إذن، ليست بالتدرّج الوظيفي كما في مصر، بل بالأسلوب الأمريكيّ تقديم السِيَر الذاتيّة، والتنافُس من كلّ مكان وزمان.
سيختار رئيس الجامعة المستشار بناء على توصيّة اللجنة، ولكن اللجنة تحتاج تقييماً موضوعيّاً. من يقيّم السبعة إذن؟
شيء لا يُصَدِّقه عقل، ولا يتخيّله طالب مصريّ سابق اعتاد أن يقومَ للمعلم ويفيه التبجيلا (وأيضاً اعتاد قفاه الخَوْفَ من المعلّم وتعلّم اتّقاءَ غضب الأساتذة). مَن يقيّمون المستشارين السبعة يا سادتي القرّاء الأفاضل هم: الأساتذة، والعمّال والموظّفين بالجامعة، والطلبة. هل التقييم مجرّد رأي؟ نعم ولا. إنّه ليس تقييماً بالمعنى العاِبر، إنّه استجواب
interview
يعقبه ملء استمارة تقييم*.
على مدى الأسبوع الماضي، كان كلّ مرشّح من كلّ حدبٍ وصَوْب يُشاركنا وَجبة إفطار أو غذاء، نحنُ قادةَ المجموعات الطُلاّبيّة أو ممثلّينا: اتّحاد الطلبة العام، اتّحاد طلبة كلّ كليّة، جمعيّة الطلاّب السود (الأقليّة)، جمعيّة الطلبة الدوليّين (يعني الأجانب) والتي يرأسها أو يمثّلها) العبد لله.
هؤلاء المرشّحون يشملون رئيساً لقطاع بشركة أدوية شهيرة، عميداً لكليّة طبّ، مُستشارة حاكم ولاية نيويورك للشئون الصحيّة، عميد كليّة الصيدلة بجامعتنا، نائب مستشار جامعة كذا، وهلمّ جرا...
"ناس كُبّارة من الآخر يعني"، وفي مصر ينحني لهُم البعض، ويمسحُ لهم البعضُ الآخر الجوخ.
هؤلاء المرشّحون يدخلون مبتسمين، يسلّمون شخصيّاً على الطلبة المُحاوِرين، يقدّمون موجزاً عن أنفسهم و لماذا يريدون العمل في ممفيس.
أمّا الطلبة (نحنُ)، فنجلس بكلّ "ألاطة"، ونُمطرهم بالأسئلة ونحنُ نقضُم الطعام.
سين: كَم طالباً تعرف شخصيّاً؟
سين: ما تجرُبتك في التعامُل مع الطلبة؟
سين: تاريخك يقول إنّك عملت كثيراً في مجال الطبّ، كيف ستواجه تحدّي التعامل مع كلّيات مختلفة؟
سين: لماذا مستوانا أقل من هارڤارد وجامعات كاليفورنيا؟ كيف يمكننا منافستهم في نظرك؟
سين: لماذا تريد ترك وظيفتك الحالية؟
سين: كيف ستتعامل مع عجز الميزانيّة وتقليصها؟ هل سترفع المصاريف؟
سين: ما رأيك في ضرورة تعدّدية هيئة التدريس؟ جامعتنا حالياً نجحت في إعطاء فُرَص متكافئة للطلبة الأقليّة (السود يعني)، لكنّها لم تنجح بالقدر نفسه في تعيين أساتذة من الأقليّة (سود يعني).
كلّ هذا...
والمرشّحون جالسون مؤدّبون، عالمين الوزن الذي تُعطيه اللجنة لصوت الطلبة، ولا سيّما للطلبة السود (الذين عانوا قروناً من التفرقة والحِرمان من بعض الوظائف)، يحرصون على كلّ كلمةٍٍ يقولونها، يكادون يحلفون (كلّ بطريقته) أنّهم "بيموتوا في الطلبة" "هو فيه أحسن من الطلبة"، "أنتم المُستقبل"، "أنتم الخير والبركة".
ولي أنا بالذات: "إحنا من غير الباحثين الأجانب ما نقدرش نتقدّم" "أمريكا بلد احترام الجميع وإعطاء الفُرَص المُتَكافئة"
"يا سعادة الباشا الطالب"
...
يا لانقلاب الآية...
على رأي أهل البلد: "القيامة قامِت يا ولاد.. الطالب بيعيّن الأستاذ.. دي آخر الدُنيا"
وهي ليست آخر الدُنيا.. فالأستاذ والمُستشار يعلمان.. أنّ مصاريف الطالب تدفع راتبه. وأنّ سمعة الجامعة تجلب طلبةً وباحثين أكثر، فلو انخفضت أفلست الجامعة وانتفى البحث العلميّ بها.
هذا يا سادة ما كُنتُ أفعله الأسبوع الماضي...
وكلّ هذا لأتعلّم وأتنوّر وأحصل على الدكتوراه،
وأعود لأتبوأ مكاني في السلك الجامعي...
وأتدرّب على التعامل مع أقفية الطلبة
وبالتأكيد سأنسى ما تعلّمته في هذا الاجتماع،
وسأستمع للنصيحة الخالدة:
"لو تطاطي مرّة للطلبة هيركبوك. لازم تلطيش. لازم هيبة. أنت رمز الجامعة"
وسيتحوّل "سعادة الباشا الطالب" إلى... "أبنائي الطلبة.. اسمعوا كلامي أنا زيّ أبوكم"
نظام غير النظام
قيَم غير القيَم
والعبرة بالـ...
"العبرة بإيه بالظبط؟"
الله أعلم
* جزء من استمارة التقييم التي نملأها بعد مقابلة كلّ مرشّح (تبقى متاحة على الشبكة لثلاثة أيّام تقريباً بعد لقاء كلّ مرشّح- وبالمناسبة لا توجد احتياطات أمن لمنع الغش والتلاعُب، فالثقة مُفترضة في القيادات الطُلاّبيّة؛ وبسبب هذه الثقة لن أقدر أن أرسل لكم الموقع حتّى ينتهي التقييم).
تحديث (١٤ يناير ٢٠٠٥):
انتهى التقييم، وها هو الرابط (لن يبقى فترةً طويلة).
ـ
2تعليقات:
أو ان تقول
القوالب نامت و الانصاص قامت :)
هناك قانون في عالم المدونات يبدوا أنك لم تسمع عنه
القانون ينص أن كل مدون يسكن في ممفيس لازم يكتب عن ألفيس برسلي علي الأقل مره في الشهر
فلو سمحت إلتزم بالقوانن
:-)
Post a Comment
<< Home