تسونامي: أصداء التفسيرات
صورة بالقمر الصناعيّ من موقع الـ بي بي سي تظهر الدمار الذي حدث لمنطقة آتشيه الإندونيسيّة
تسونامي: أصداء التفسيرات
(كبسولات: جُرعة ثانية )
ـ
تنبيه: اقرأ النشرة قبل الاستخدام
(كبسولات: جُرعة ثانية )
ـ
أتردّد قبل كتابة هذه السُطور، فقد تُفهَم خطأً، وقد يؤدّي فهمُها الخاطئ إلى نتيجة عكسيّة. أمّا فهمُها الصحيح فله آثار جانبيّة بسيطة تتراوح من التلبّك المعويّ الخفيف إلى التتنيح المستمّر. تكرار التعاطي قد يؤدّي إلى داء إدمان التفكير، اسأل طبيبك قبل الإقدام على هذه المُخاطرة.
تحدّثتُ عن حجم الكارثة، وعن التفسيرات بشأنها، والآن أريد أن أتحدّث عن أصداء تلك التفسيرات بداخلي. ما أشعر به إزاء ما حدث، وما قاله البشر عن لماذا حدث، هو بالطبع، أنّ المَصابَ جليلٌ وَقْعُه ثقيلٌُ وأنّ البشر في خوفٍ وحيرةٍ من أمرهم، يدركون أكثر من العاديّ أنّ حياتَهم في مهبّ الريح. أمام كلّ هذا يحبّ البعضُ أن يهدّئوا الروع، ويصل البعض الآخر إلى حالة هستيريّة تريد إيجاد تفسير مُسَكِّن مخدِّر للأمور، ثم-بالطبع-يحبّ البعض انتهاز هذه الفرصة لتذكير البشر بضعفهم لعلّهم يتوبون، بينما تُفتَح الساحة أيضاً لمن أسمّيهم الراقصين عند القُبور، والصائدين في المياه العَكِرة.
ألاحظ أيضاً ما يلي بعد قراءة التفسيرات المُختلفة:
١) الهرولة إلى التفسير: رغم أنّ المعروف أنّ في التأني السلامة، إلاّ أنّني أشعُر أنّ بداخل كلّ إنسان رغبة في درء الحيرة عن نفسه والتداوي من داء التفكير. يخشى الإنسان إن فكّر قليلاً واحتار قليلاً أن يضلّ عن القطيع الذي يتبعه. يصعُب على أناس كثيرين قول "لا أعلم"؛ ورغم يقينهم أنّ "الله أعلم" إلاّ أنّهم يحبّون أن يدلوا برأيٍ لم يُطلب منهم. يصعُب على الكثيرين أيضاً التعايُش مع أسئلة لا إجابة لها. فيهمّون بالتفسير السريع: غضب الله/ ابتلاء من الله/ عقاب/ إلخ... وبالطبع سينطبق أحد هذه التفسيرات بسهولة ولن يمكن إثباته أو نفيه. فلو كان الضحايا صالحين فقد كانت الكارثة ابتلاءً وكانوا هم شهداء، ولو كانوا طالحين فالكارثة عقاب وتحذير لمن لم يمُت، إلخ...
مرّة أخرى: البشر يصنعون أصنامهم بدلاً من أن يتواضعوا أمام مشيئة الله التي لا يسبرها عقل بشريّ. وكما قال عُمر العربيّ "البشر يفترون على الله بلا علم".
هذا يحدُث مع البشر العاديّين، فماذا عن أولى الأمر ورجال الدين والمطلوب منهم إيجاد تفسير لغيرهم؟ على هؤلاء يقع عِبءٌ أكبر للهرولة إلى تفسير سريع، وإلاّ فقدوا ثقة سائليهم.
٢) بسبب التسرّع الأخير في التفسير، وضع البعضُ أنفسهم في مأزق. فمن قالوا بأنّ هذا غضبٌ من الله على كُفر تلك البلاد (أظنّهم يعنون عبادتهم بوذا) أو على تجارة الجنس وما إلى ذلك، يجدون أنفسهم اليوم في مأزق لا يُفلت منه دين دون آخر. لقد ذهبتُ إلى موقع البي بي سي وتصفّحتُ أخبار الضحايا وبلدانهم. أكثر من ١٥٠ ألفاً من الضحايا! الأماكن المتضرّرة إندونيسيا المسلمة ذات الأقليّة المسيحيّة وتايلاند البوذيّة وسريلانكا ذات الخليط الهندوسيّ البوذيّ والأقليّة المسلمة. اختارت الكارثة من إندونيسيا إقليم آتشيه المسلم الذي يطبّق الشريعة ويطالب بالانفصال، وأصابت انفصاليّي التاميل في سري لانكا كما أصابت سيّاح شمال أوروپا وأكثرهم مسيحيّون. لم تُفلت مجموعة دينيّة من الكارثة، وبالقطع كان في الضحايا ملحدون أيضاً. ١٠٠ ألف إندونيسي، ٣٠ ألف سري لانكيّ، ٥ آلاف من تايلاند، من الصومال مئات، من جزر المالديف، من السويد، مَنْ أَفلتَ من هذا؟
أمّا عن عِقاب تجّار الجنس، فماذا عن الأطفال الذين شكّلوا نسبةً مخيفة من القتلى؟ هل تاجر هؤلاء الأبرياء بالجنس؟ وماذا عمّن يرتكبون معاصيَ أكبر في أماكِن أخرى؟ لماذا التسرّع بالتفسير إذن؟
٣) آخر تعليق لي أعرف أنّه قد يبدو لا-إنسانيّاً ولكنّني أريد أن أقوله في هدوء. ندعو الله جميعاً أن يعطينا العمر الطويل السعيد المديد، وأن يقينا موت الغريق والحريق والطريق، والوباء والفناء وسيف الأعداء. لكنّ المؤمنين جميعاً يؤمنون بحتميّة الموت وضرورته. كيف نموت إلاّ بإحدى هذه الوسائل !! من لم يمُت بالسيف مات بغيره، وفي جميع الأحوال هذه سنّة الحياة وقانون الكون. نولد ونعيش فترات متباينة ثم نموت، يعيش البعض بصحّة والبعض بمرض، و"لا دايم إلاّ وجه الله". هذه طبيعة الكائنات جميعاً، وهذه حتميّة لكي لا تنفجر الأرض بسكّانها. لماذا نُفرط في تفسير الأمور ونحنُ عاجزون عن أبسط التفسيرات؟ هل أضمن أنا أن أنهي هذا السطر حيّاً؟ لا! هل تضمن أنت؟
اقرأ أيضاً:
ـ من أعمالهم سُلِّط عليهم (ماريان چورچ ـ جريدة إيلاف الإلكترونيّة)
ـ حكاية قارب
وأيضاً:
ـ الكارثة تؤدّي للمزيد من تجارة الجنس؟
ـ الفيل صديقي
4تعليقات:
تدوينة رائعة و لكن لدي ما أقول بالنسبة لآخر نقطة. الكل سيموت بالتأكيد بالسيف او بغيره و لكني اتكلم كشخص عاش زلزالا قويا و نجا منه دون جروح من أي نوع: المشكلة ليس في من ماتوا بل فيمن عاشوا بعد الزلزال. أوبئة و أمراض نفسية وأحباء ماتوا و غيرها من المقاتل النفسية.
كما قلتَ علينا بالدعاء لمن مات و لمن نجا. اللع يعينهم جميعا.
بس
أعتقد أن التفسيرات الغيبية لما يحدث في عالمنا هي من قبيل السذاجة العقلية، التي ترسخها النظرة المركزية للكائن لإنساني في الكون كما تروجها معظم التفسيرات السائدة للدين عموما و لدياناتنا في الشرق الأوسط خصوصا.
حتى من نالوا نصيبا معقولا من العلم تجدهم ينزعون القشرة الرقيقة من العقلانية التي يغلفون بها تصرفاتهم في الظروف العادية الطبيعية و يلجأون للغيبيات.
كأن الأرض عندما تهتز أو تثور بحارها، أو تصب جام براكينها -كما كانت تفعل منذ قبل أن يوجد الإنسان- إنما تفعل ذلك بسبب الإنسان الذي هو في الحقيقة لا يساوي شيئا يذكر مقارنة بما في الكون الفسيح.
يعني يا عُمَر ما أنت فيه بسبب الزلزال؟ (هاها.. كانت دعابة)...
ألِف يعجبني ما تقول. نعم... الإنسان مركز الكون عقيدة إنسانيّة شوّهت-في رأيي-الفهم الحقيقيّ لجميع الأديان التي تسعى لإخراج الإنسان من تمركزه الملعون حول ذاته.
صُدِم الإنسان عدّة صدمات جعلته-للأسف والغرابة-ينكر الله بدلاً من أن ينكر ذاته: صدمة تبعيّة الأرض للشمس/ صدمة مشابهة الإنسان للحيوان (داروِن)/ صدمة تأثّرنا بالعقل الباطن (فرويد)/ صدمة الاستنساخ.
في رأيي، السعي نحو الآخر (والآخر المطلق ممثلاً في الله) هو مخرج الأنسان من هذه المحنة الأنسانيّة (ولنسمّها الخطيئة أو الظُلمة اصطلاحاً)، وهذا-في رأيي أيضاً-لا يكون سوى بالحبّ الباذل الذي عرفه وتحدّث عنه من خبُروا قَبساً من الحبّ الأكبر اللا مُِتناهي.
الله هو الحل.
ـ
ma kedt anhy kera2aty lehaza 2l maktoub 7ata talakayt 7'abar wafat 2e7da sadikaty lhaza ta3'ayar masar makont2nwyi ketabatoh .
al mawt 7akika tad7'ol fi samim 2l 7ayah na3refha w ra3'm zalek da2eman tofage2na w tofge3na kont 2azon 2an 2l mawt nehayah lakeny 7in fakadt carol 3areft ma3nah 2l 7ob w 3omk 2l tawasol 2lzy yt3ada 7atta 2l mawt .
ra2ayt fihi ne3nma w barakah laha l2naha ta7'alasat men 2nat 2l 2alam 2lzy kad yaftaresha w llazin 7awlaha l2nahom 27'zo yo3ido kasyr men 2l 7esabat w kont 2awlhom.
toba lmwten yb3as 2l 7ayah
Post a Comment
<< Home