سؤِلتُ-وسأَلتُ نَفسي-عن سرّ صمتي إزاء الأحداث الأخيرة في مصر، رغم أنّها تقع في صميم ما أكتُب عنه. ألم أبدأ هذه المُدوَّنة
مُعَلِّقاً على مُظاهَرة لبعض أقباط مصر الغاضبين إثر عرض فيلم "باحِبّ السيما"؟ الأخبار الأخيرة كانت فُرصة إذن لمُبَلوِج مثلي كي يصطاد في المياه العكِرة وأوَكِّد إحدى الأفكار المفضّلة لدي: عن الغضب والإثارة وتحريك الجموع البشريّة.
لكنّني -كغيري- لم أكُن أفهم شيئاً.
وبينما تبادلتُ بضعة تعليقات مع مُبَلوِجين مصريّين نشروا عن مظاهرات الأقباط (مثل
محمّد، والفرعون الكبير،
وحلمي) إلاّ أنّني لم أجِد ما أكتُبه، في ظلّ تعتيم إعلاميّ و تخبّط في الروايات المُتَواتِرة.
كنت أنتظر أن أعرف أيّ شيء يمكن أن أكتبه واثقاً في عدم كونه مغرضاً أو ملفّقاً، وكُنتُ أحاول أن أفهم. فليس المشكل في هذه الحالة هو الفهم العميق وسبر الغور فحسب، بل السؤال -للأسف- أبسط من هذا بكثير: ماذا حدث أصلاًً؟ ماذا حدث في "أبو المطامير"؟ ماذا حدث المنيا في أسيوط؟ وكيف انتقل كلّ ذلك إلى العبّاسيّة؟
اليوم وبعد أكثر من أسبوع على جنازة المرحوم سعيد سُنبُل، الصحفيّ المصريّ المسيحيّ المرموق، الذي حضر الصلاة على جثمانه لفيف من رجال الدين و الدولة، وأفسد تلقّي العزاء لفيف من الشباب والكهول الغاضبين، الصارخين الساخطين، حتّى أنّ الأمنََ اضطُرّ لمحاوطة بعض الأجانب والمرموقين من المُعَزّين لتأمين خروجهم، والأسرة اضطُرّت لعدم تلقّي العزاء والخروج من الباب الجانبيّ للكنيسة تلافياً لأيّة مخاطرة بتابوت المرحوم.
فالجموع الغاضِبة لا تفرّق بين حيٍّ وميّت، وكما تعلمون، ففي كلّ مظاهرة هُناك قلّة منحرفة -سامحها الله- تتسبّب بجميع الأخطاء الممكنة وغير الممكنة.
لأنّني متأخّر جدّاً في الكتابة عن خبر قديم، فيكفي أن أضع بضعة روابط، ولتتساءل معي: هل تجيب الأخبار المربوطة على السؤال الأساسيّ: ماذا حدث في "أبو المطامير"؟ ماذا تكون أبو المطامير أصلا'ً؟
الأخبار المُتاحة عن المُظاهرات من
الجزيرة،
والعربيّة، ومواقع الجمعيّات القبطيّة في المهجر (
أقباط.نِت، أقباط متحدّون) ومن
جريدة العربيّ الناصريّة.
ولأنّ الروابط للصُحُف العربيّة كثيراً ما تُفقَد، فأنا مُضطرّ لوضعها في موقع محليّ من باب الاحتياط.
التخبُّط الغريب انتهى بخبرٍ يُبكي من فَرط ما يُضحِك، ويُعبّر عن إفلاس جريدة الأهرام التي كانت حتّى زَمَنٍ قريب أكثر الجرائد الحكوميّة الموثوق بها: يقول
الخبر التُحفة إنّ البابا شنودة يشكر الرئيس في مؤتمر صحفيّ عقده أربعة أساقفة من الأقباط الأرثوذكس! هكذا؟ البابا-الذي يعتكف في الدير حالياً، والذي لم يحضر المؤتمر-يشكر الرئيس؟ هذا هو ما لفت أنظار محرّر الأهرام في ذلك المؤتمر الصحفيّ الذي استغرق قُرابة ثلاث ساعاتٍ؟ لم يحدُث هذا الشُكر بالنصّ ولم يحضر البابا، ممّا يجعل العنوان الأهراميّ مضلِّلاً، ولم تكُن الأخبار الواردة تحت العُنوان أقلّ تضليلاً.
الغريب هذه المرّة أنّني حينما استمعتُ لذلك المؤتمر المذكور (وهو مُتاح في موقعين على الأقلّ*) وجدتُ جُرأةً وصراحةًِ ووُضوحاً لم أتوّقعهم من الأساقفة الأربعة: فلم يُحاوِلوا تَمويع الأمور ولا تعويمها، ولم يتبنّوا دور الضحيّة أو يتستّروا على الأحداث.
كلّ هذا أغناني عن مُحاولة التخمين، لكنّني سأحكي لكُم في ما بعد أيضاً عن محاولاتي المستميتة لفكّ شفرة الصحافة.
* أربعة شرائط مُسَجّلة للمؤتمر الصحفيّ، هي بالنسبة لي أدقّ المصادر لمعرفة الأحداث وأكثرها تفصيلاً. الشرائط مُتاحة في
ملفّات مضغوطة من نوع "اللعيب الحقيقي/ ريال بلاير" .
ـ