مقاطعة القطعان... ـ
كتب ابن عبد العزيز عن انطباعاته إزاء المقاطعة كوسيلة لمقاومة الظلم والاستبداد.
ووجَدتُ أنّه من الملائم نقل تعليقي عليه هُنا، بعد تحبيشه قليلاً،
حيثُ إنّ الموضوع كان في بالي من فترة،
وإن بقي-بوصفه تعليقاً-مقطعاً عفويّاً تلقائيّاً ربّما يتطوّر لاحقاً إلى مقال أكثر منهجيّةً . ـ
ووجَدتُ أنّه من الملائم نقل تعليقي عليه هُنا، بعد تحبيشه قليلاً،
حيثُ إنّ الموضوع كان في بالي من فترة،
وإن بقي-بوصفه تعليقاً-مقطعاً عفويّاً تلقائيّاً ربّما يتطوّر لاحقاً إلى مقال أكثر منهجيّةً . ـ
زماان قوي كتبت مقالاً بعنوان:
"لا تلوموا أمريكا يا شاربي الكوكاكولا"...
لم أكُن أفهم سرّ التشنّج الرافض لأمريكا من شعبٍ يقترض قمحها ويشاهد أفلامها ويشرب حلوها وسمومها.
كُنتُ منفعِلاً لا أخلو من سذاجة. لكنّني كُنتُ أظنّ أن حرق العلم والهتاف الغوغائيّ العشوائيّ لا يحلّ ولا يربط.
بعدها بعام سمعت أنّ طالبات في المدرسة الألمانيّة للراهبات بباب اللوق (بالقاهرة) قد أقمنَ اجتماعاً حضره أحد أولياء الأمور المتخصصين في الاقتصاد، وقررن عمل حصر بالشركات في مصر التي يشارك فيها رأس مال أمريكيّ بنسبة كبيرة، ثم بدأن بإعداد قائمة للمقاطعة. كان هذا في ١٩٩٨، وكانت حركة هادئة شبه متحضّرة... أعجبتني
كُنتُ منبهراً بفكرة أنّ المقاطعة تمّت بعد دراسة متأنية، في محاولة لجعلها فعّالة لا مجرّد حركة "تنفيسيّة".
كُنتُ شبهَ مقاطع لماكدونالدز (مع أنّني أكلت فيه عدّة مرات، لأنّني لستُ "دُجماتيّاً*") لكنّني كُنتُ أتفاداه لعدّة أسباب:
- منذ أنشائه في مصر ارتفعت أسعار جميع الساندوتشات بشكل ملحوظ في جميع المطاعم وعلى رأسها مؤمن.
- ما يقدّمه طعمه دون المستوى وسعره غير معقول (في ذلك الوقت)
- كُنتُ أحاول معارضة انتشاره في مصر بشكل سريع وتحوّله إلى إحدى تلك "الضرورات الوهميّة"
كُنتُ مقاطعاً لبعض الأماكن الأخرى مثل تشيليز وأماكن البولينج باهظة الثمن ومقاهٍ جديدة كانت فاحشة الغلاء (بأسعار وقتها التي لا أحلم بها الآن)، وكان سبب المقاطعة اعتراضي على الأسعار ورغبةً منّي في الحدّ من انتشار هذه الأماكن. (لاحظ أنّ الدولار وقتها كان بثلاثة جنيهات وثلاثة وثلاثين قرشاً).
اتّصل بي أحد المربين الأفاضل في المدرسة التي نشأت فيها. طلب منّي-لعلمه بخبرتي بعالم الإنترنت المجهول للبعض وقتها-أن أساعده في حملة لرفض إقامة حملة دعائيّة لماكدونالدز بمدرستنا. تحمّست. بحثت. وجدت الكثير عن دور ماكدونالدز في قتل الحيوانات، وقطع الأشجار، وتلويث البيئة، وتشجيع الاستبداد في أمريكا الجنوبيّة. أعطيته هذه المعلومات التي دعمهتها مطاعم "سَب واي" ـ وما كنتُ أعلم وقتها ما هذه المطاعم، وكونها المنافس لماكدونالدز المنادي بالطعام الصحيّ (الأغلى طبعاً).
ثم.. جئتُ لهذه البلاد، وصار ماكدونالدز مطعمي الأوّل (رغم أنّ رأيي في مذاقه لم يتغيّر)، لأنّه كان الأرخص والمناسب لميزانيّتي كطالب. كما صار تشيليز مطعماً مفضلاً لي، والبولينج لعبة ظريفة لأنّها لعبة شعبيّة ورخيصة لأيّ طالب هنا.
ثم، بعدها بعام انفجرت حملة "قاطع" في مصر (بدءاً بخرب بيت تلك المحلاّت الإنجليزيّة الشهيرة).
لم تُعجبني نبرة المُقاَطَعة السائدة وقتها. اعترضتُ عليها بسخرية في بريد إلكترونيّ رددت فيه على جميع من كانوا على قائمتي (وسبّب لي بعض السباب!).
اعترضتُ لأنّ المقاطعين يستخدمون بريد ميكروسوفت الذي يملكه الأمريكيّ الجنسيّة اليهوديّ الديانة "بيل جيتس، وينادون بمقاطعة المنتجات الأمريكيّة ومصالح اليهود (لا الصهاينة).
اعترضتُ لأنّهم لم يدرسوا ما هي الشركات التي تنبغي مقاطعتها، وبدأوا بالكوكاكولا وماكدونالدز كرمز متجاهلين مفاهيم العصر العولميّ: الشركات متعدية الجنسيّات، وخطوط الإنتاج العالميّة.
اعترضتُ أيضاً لأنّني في أمريكا لا أستطيع مقاطعة المنتجات الأمريكيّة أيضاً ومع ذلك فأنا لا أزال أعتبر نفسي مواطناً مصريّاً صالحاًَ ومؤازراً للقضيّة الفلسطينيّة ومعارضاً للاستبداد والاستغلال بكافة أشكاله.
قرأتُ بعدها كيف تقوم الشركات الأمريكيّة بإرسال منتجاتها لبلاد الأخرى لتوضع فيها اللمسات الأخيرة، ويُكتب عليها: "صنع في كذا وكذا" بدلاً من صُنع في الولايات المتّحدة. وبهذا تغلّبت الشركات الأمركيّة على أيّة احتمالات للخسارة.
لكنّني عرفتُ في النهاية لماذا لا تُعجبني نبرة المقاطعة:
لا تعجبني لأنّها مقاطعة "سلبيّة".
مقاطعة مبنيّة على البغض لا على الحبّ، على الحقد لا على المغفرة، على الهدم لا على البناء. مقاطعة يهدف أصحابها لـ"خرب بيت" ظالم وليس لمناصرة مظلوم.
لا تُعجبني لأنّها مقاطعة قطعان. الراعي يصيح: "قاطِعوا" والخراف تقول: "سمعآً وطاعةً".
لا تُعجبني لأنّها مقاطعة لا تُصاحبها زيادة في الإنتاج والنشاط، بل تبديل مُصَدِّر "خواجة" بمُصَدِّر "ابن بلد"، وتبديل "كوكا كولا" بـ"رواء كولا" أو "مكّة كولا". كأنّ المشكلة في الكوكا وليست في الكولا.
أين هذا من غاندي؟
غاندي الذي نادى بالمغفرة للظالم ومقاومته لا لتدميره، بل ليثوب إلى الحقّ ويكُفّ عن ظُلمه.
غاندي الذي نادى بوقف استيراد المنسوجات البريطانيّة واستبدلها بالمغزل الشهير.
يا أيّها المقاطعون؟
بأيّ مغزلٍ تغزلون؟
* Dogmatic
3تعليقات:
لا زال المدونون يلتقون عند موضوعات عديدة، و لا أعني الأحداث الجارية بل حتى تلك التي مرت سنوات على ذروتها.
كنت أنوي أن أطرح هذا الموضوع أيضا منذ فترة، لهذا أفضت في تعليقي على تدوينة ابن عبدالعزيز..ربما أحذو حذوك إذا طرأ جديد (في رأسي)
أتذكر جيدًا وقت هوجة المقاطعة النقاش الذي دار على الإنترنيت وقتها وكان رأيي ومازال قريب من رأيك. أنا مازلت أقاطع الهامبورجر ولا أقاطع ماكدونالدز بحد ذاته وأقاطع المشروبات الغازية التي لا أرى فائدة غذائية من شربها ولا أرفضها عندما أكون في ضيافة أحد.
في فرنسا فكرة "التجارة العادلة" ومفهوم "المستهلك الفاعل" في نمو مستمر. النتيجة ليست أفضل من نتيجة المقاطعة في مصر إذ أن الفرنسيين يشترون الشوكولاتة والقهوة التي عليها علامة "التجارة العادلة"، وهي بالطبع أغلى من مثيلاتها، من محلات مثل كارفور وهم يعلمون أن ظروف العمل في هذه المحلات ليست عادلة.
أنا مع فكرة "المستهلك الفاعل" الذي يقاطع ويختار ما يشتريه لكني أرفض الانزلاق إلى سلوك ساذج متسرّع وأرفض استغلال ذلك لأغراض تجارية مثلما فعل بعض المنتجون عندما حاولوا وصم منافسيهم بتهمة الأمركة أو الصهينة لتعزيز مبيعاتهم.
ـ
يبقى أن نمزج تفضيل التجارة العادلة مع تفضيل المنتجات الأقرب إلى المجتمع المحلي.
Post a Comment
<< Home