أسامة بِن موور
مِن فرط قراءتي لمواقع تتبنّى نظريّات المؤامرة، وبالأخصّ هذا الموقع النشِط المليء بالأنباء والوصلات التي تثير القلق وتربك المعدة ولكنّها أحياناً تفتح المخ، صِرتُ لا أصدّق مُعظَم ما أسمع لأوّل وهلة، بل ولا أصدّق ما أسمع في الأنباء غالِباً، خاصّةً لو كان يتّفق بالتحديد مع ما توقّعه أهل الفِطنة من المحللين المغضوب عليهم.
ما الحِكاية؟
الحِكاية ليسَت جديدة، وقد ملّ أكثرُكم من سماعِها هذا الأسبوع، إنّها بشأن الشريط الأخير التي أذاعته شبكة الجزيرة، والمنسوب لأسامة بِن لادِن المَدعوّ "زعيم" تنظيم القاعِدة، ذلك التنظيم الزئبقيّ الذي يظهر ويختفي على الساحة العامّة، من خِلال شرائط مسموعة ومرئيّة وخِطابات مسموعة ومرئيّة تتناقلها القنوات العربيّة تارّة، ومواقِع الإنترنِت مجهولة الهويّة تارةً أُخرى.
الظريف أنّ "ما يُسَمّى" بالرأي العام كان مشغولاً في الآونة الأخيرة بعدّة أمور مِنها بالطبع الانتخابات الأمريكيّة والأحداث في العِراق وبضعة مناوشات مع إيران والسودان وأماكِن أخرى مشتعِلة في العالم. أمّا مُحبّو الـ’دعبَسة‘ بين ’خُيوط‘ الشبكة العنكبوتيّة الإلكترونيّة ـ الإنترنت- فكانوا يتسلّون في الآونة الأخيرة بمتابعة ما يتعلّق بالانتخابات الأمريكيّة من استطلاعات رأي مُتضارِبة تحقّق الهدف من أيّ فيلم إثارة (ساسبِنس*) وهي تعليق النتيجة حتّى اللحظة الأخيرة، مع تتبيل المراحِل النهائيّة من الترقب بالكثير من الحيرة.
محترفو الإعلام تمكّنوا -بالفِطرة أو بالدراسة- من فنون الضحك على الذقون وفنون تحويل الحبّة إلى قُبّة والبوصة إلى عروسة، وبإمكانهم تحويل قصّة تافهة إلى سَبقٍ صحفيّ إن كانت الرياح السياسيّة تتطلّب ذلك. لهذا فقد باتوا يشغلون القرّاء والمشاهدين في العالم باستطلاعات رأي لا حصرَ لها عن الانتخابات الأمريكيّة، وبتكهّنات متضاربة يضحك لها المحايدون، ويكاد المنغمسون فيها أن يُصابوا بنوبات قلبيّة من فرط الإثارة والترقّب. في الوقت نفسه، اعتاد أيضاً السابِحون في بِحار الإنترنت أن يعثروا مِن حين لآخر على شريط مصوّر لإعدام رهينةٍ ما في العراق، أضاف بُعداً جديداً لفنون الإعلام، إذ فاق أفلام الرُعب وحتّى البرامج الحديثة المسمّاة بالبرامج الواقعيّة. فلم يعُد التمثيل ولا حتّى الواقع المصوّر كافياً لإشباع نهم الكثيرين بالإثارة ومشاهدة الدِماء، فها هو فنّ إذاعة مشاهد الإعدام، أو التحدّث عنها بدون مشاهدتها، يجذب المشاهدين، ويثير بهم مزيجاً من التقزّز والخوف والغضب والرغبة في الانتقام، أو الفخر والتشفي والرغبة في المزيد من الدماء.
كان هذا عن وسائل الإعلام ومن يعبث بمحتواها، ولكِن ماذا عن المُشاهِد العالميّ؟ المُشاهِد العالميّ يبدو أنّه أدمن الأفلام والبرامج والمشاهِد ونشرات الأخبار لدرجة خطيرة، فقد جعل الإدمان سكّان كوكب الأرض محِبّي الإثارة يحتاجون إلى جرعات متزايدة من العُنف والرُعب والدِماء والـ"ساسبِنس" والـ"أكشِن"، وإلاّ فلن ترضى غرائزهم بما تقدّمه دور النشر والتأليف... وقد حارَ معهم الإعلاميّون في ما يقدِّمون كلّ يوم. سكّان الكَوكب ينتظرون قمّة الإثارة في الأسبوع الأخير للانتخابات الأمريكيّة.
حذّر جهازا لأمن الأمريكيّ من قبل أنّ الإرهابيين أعداء الحرّيّة سوف يُفسِدون الانتخابات الأمريكيّة بشكلٍ ما، واتّهمت القوى السياسيّة وقتها الرئيس بوش وزُمرته بتخويف الأمريكان وباستغلال التحذيرات لصالحهم، وربّما برغبتهم في فرض قانون طوارئ وإلغاء الانتخابات. وانفضّ المولد بعدها، ولكنّ الجميع ما زالوا ينتظرون المُفاجأة السينمائيّة التي تحدُث قبل المشهد الأخير: فمن أين يا تُرى سيأتي الإرهاب هذه المرّة؟
الشريط والتوقيت
تعرِفون جميعُكم مدى تأثير الإعلام عليّ وعليكم وعلى جميع الناس، وتعرِفون أيضاً أنّ هُناك أكثر من إِعلام: فهناك الإعلام الرسميّ وهناك الحزبيّ وهُناك المُعارِض وهُناك الإعلام المُشاغِب المتشرِّد وأخيراً، ومع الإنترنت، فهُناك أيضاً الإعلام الفرديّ أو العشوائيّ أو هذا الذي أكتُبه أنا وغيري: البَلوَجة. كلّ واحد يكتب ما يُريد، والله أعلم بالحقائق والهويّات. لكنّ هذه الظاهرة غير المسبوقة من تعدُّد وسائل الإعلام لا تزال في مهدِها، فأكثر المواطنين الصالحين لأيّة دولة مازلوا يستقون أخبارهم من الإعلام الرسميّ (حسب تسمية دولنا العربيّة) أو الإعلام الشائع (حسب النظام الأمريكيّ الأوروبيّ) حيث تُسيطر على الإعلام شركات كُبرى ليست بالضرورة ممثلة للحكومات، ففي الولايات المتّحدة مثلاً تميل معظم القنوات التليفزونيّة -ما عدا فوكس مثلاً- إلى الجانب الليبراليّ الموالي للحزب الديمقراطيّ، بينما تُسيطر الاتّجاهات المُحافِظة الجمهوريّة على الكثير من الإعلام الإذاعيّ وعلى بعض الصُحف وعلى الإعلام ذي الصبغة الدينيّة أيضاً.
اتّفقت وسائل الإعلام الأمريكيّة الكُبرى جميعاً على ثوابِت، وقد شرِبَها الشعب وحفظوها عن ظهر قلب. فهم لا يختلفون على الخوف من القاعِدة، وعلى مسئوليّة ذلك التنظيم عن أحداث سبتمبر 2001، ولا يختلفون على التأهب ضدّ الإرهاب وعلى مناصرة الحملات العسكريّة الأمريكيّة حتّى لو اختلفوا في جدواها وأسبابها. لكنّ القلّة المنحرفة ممّن لا يرضون بالإعلام الرسميّ، يذهبون إلى الشبكات الأوروبيّة والعربيّة وإلى المبلوِجين على الإنترنت ويبحثون عمّا يعطيهم رؤية أكثر منطقيّة لما يحدُث... ومِن أمثلة هذا الإعلام ’المُضاد‘ فيلم مايكل موور الأخير الذي كشف للشعب البسيط الأمريكيّ عمّا لم يكُن يعرِف عن الحرب على العِراق وعن علاقات بوش بشرِكات النفط والأُسَر الحاكِمة بالخليج. لكنّ الأدهى من مايكِل موور، هو عدد كبير من المواقع على الشبكة الإلكترونيّة والتي تعادي الحرب وتشكِّك في كلّ ما تقول الحُكومة، بل وتشكك في تنظيم القاعدة نفسه.
تنبأ الكثير من هؤلاء المنتمين للقلّة المنحرفة بأنّ حدثاً كبيراً سيُلَفّق قبل الانتخابات ليضفي الإثارة، ويساعد على إبقاء الأحوال على ما هي عليه، بالإبقاء على الرئيس الحاليّ، الذي سيُقنع الشعب أنّه الأقدَر على حِفظ الأمن والأمان.
بل إنّ الحملة الانتخابيّة للرئيس الحاليّ (بوش) أكّدت هذه الحقيقة الأخيرة في عدّة مواقف، ولسان حالهم يقول على الملأ: الإرهابيّون يفضّلون كيري ويخشون بوش! هكذا! فإن ناصرت غيرَ بوش، فأنت مع الإرهابيين -وحسب حِسبة بوش- فأنتَ إذن إرهابيّ. وبالعاميّة المصريّة يُمكِن أن تُتَرجِم هذا إلى: "اللي مِش مع بوش، إحنا مانحِبّوش. واللي ناوي يهادِن، هنجيبله بِن لادِن"
ولهذا صار كيري يلعن ويقسم في كلّ مناسبة أنّه أشرس من بوش على الإرهاب، إلخ...
وهُنا، جاء الشريط في وقتِه المُناسِب، ليذكِّر الأمريكان بأنّ الخطر ما زال موجوداً، وأنّ أعداء الحرّيّة وزعيمهم الشرس الشرير بن لادن يريدون الأمريكان أن "يثوبوا إلى رشدهم ويتوقّفوا عن مناصرة بوش المُجرِم". يعني باختصار: جاء الشريط هديّة انتخابيّة لصالح بوش. لكنّ الإعلام الأمريكيّ شديد الدهاء، بدأ يسأل السؤال: يا ترى؟ هل هذا الشريط في هذا الوقت يحسن من موقف بوش أم يا ترى يذكّر الأمريكان بأنّ بِن لادِن ما زالَ حيّاً متحدّياً بوش؟
الدليل قالولوا!
عنوان هذه الفقرة مُقتبس من مسرحيّة شاهِد ما شافش حاجة، بطولة عادِل إمام. وفِكرة هذه الفقرة جاءتني ممّا كتبه محمّد في سجلّه "طقّ حنك"، فمحمّد يرى -كما يرى غيره من المراقبين- أنّ بِن لادِن يستخدم لغة أعداء بوش السياسيّين بداخل الولايات المتّحدة، بدلاً من عادته في استخدام الخِطاب الدينيّ الحافِل بالآيات والأحاديث والقصص. بل يكاد المتحدِّث في الشريط الذي أذاعته الجزيرة يقتبس أفكاراً كاملة كأنّه شاهدها في فيلم "911 فهرنهايت" لمايكِل موور. من المتّحدِّث إذن؟ وما مصلحته؟
أجمَع عدد غير مسبوق من الوسائل الإعلاميّة أنّ المتحدث هو أسامة بن لادن، وأنّ الشريط يبدو أصليّاً أصيلاً، ولا قِبل لأحد بالتأكُّد من صحّته الآن، فالمهم هو تأثيره، إلاّ أنّ بالطبع مُشاغبي الإنترنت مازال بعضهم في حيرة وشكّ، بل يزعم هذا المقال أنّ الشريط "متفبرِك" كسابِقه. أمّا أنا فلستُ متخصصاً، ولا قِبل لي بالحُكم، لكنّني من المحتارين، وتساورني الوساوس والشكوك والظنون والتساؤلات التالية:
- ما السرّ في توقيت الشريط؟
- لو كان المتحدّث بِن لادِن، وتوقيت إذاعة الشريط موافقاً لرغبته، فما مصلحته -هو الخبير بأمريكا الآن والدارس لشعبها؟ ألا يعلم أنّ الأمريكان سيستجيبون لهذا الشريط ضدّ رغبته؟ فلماذا رغب في إذاعته؟ لينتخب الأمريكان بوش فيضربهم؟ أم؟؟ ليرجعوا إلى رشدهم؟ أم؟
- مع من يعمل هذا المتحدِّث في الشريط؟ وإن كان هو أسامة.. فمع من يعمل أسامة؟
- لماذا تذيع الجزيرة هذا الشريط الآن. لعلّ زعيم القاعدة أخطأ الحسابات أو لم يقرأ عن تقدّم كيري الأخير في استطلاعات الرأي. فماذا عن حرّيفة الجزيرة؟ لماذا يقدّمون خدمة كهذه لبوش؟ مع من يعملون؟ أم لعلّهم أساءوا الحسابات؟
اقرأوا مثلاً عن تقدّم بوش في استطلاعات الرأي بعد هذا الشريط، وقولوا لي رأيكم...
لكِن.. لماذا أحرِق أنا دمي... أتحوّلتُ أنا أيضاً لمشاهِد فيلم بايخ؟
أنا لا أنتخب.. وأنا مالي!
ما الحِكاية؟
الحِكاية ليسَت جديدة، وقد ملّ أكثرُكم من سماعِها هذا الأسبوع، إنّها بشأن الشريط الأخير التي أذاعته شبكة الجزيرة، والمنسوب لأسامة بِن لادِن المَدعوّ "زعيم" تنظيم القاعِدة، ذلك التنظيم الزئبقيّ الذي يظهر ويختفي على الساحة العامّة، من خِلال شرائط مسموعة ومرئيّة وخِطابات مسموعة ومرئيّة تتناقلها القنوات العربيّة تارّة، ومواقِع الإنترنِت مجهولة الهويّة تارةً أُخرى.
الظريف أنّ "ما يُسَمّى" بالرأي العام كان مشغولاً في الآونة الأخيرة بعدّة أمور مِنها بالطبع الانتخابات الأمريكيّة والأحداث في العِراق وبضعة مناوشات مع إيران والسودان وأماكِن أخرى مشتعِلة في العالم. أمّا مُحبّو الـ’دعبَسة‘ بين ’خُيوط‘ الشبكة العنكبوتيّة الإلكترونيّة ـ الإنترنت- فكانوا يتسلّون في الآونة الأخيرة بمتابعة ما يتعلّق بالانتخابات الأمريكيّة من استطلاعات رأي مُتضارِبة تحقّق الهدف من أيّ فيلم إثارة (ساسبِنس*) وهي تعليق النتيجة حتّى اللحظة الأخيرة، مع تتبيل المراحِل النهائيّة من الترقب بالكثير من الحيرة.
محترفو الإعلام تمكّنوا -بالفِطرة أو بالدراسة- من فنون الضحك على الذقون وفنون تحويل الحبّة إلى قُبّة والبوصة إلى عروسة، وبإمكانهم تحويل قصّة تافهة إلى سَبقٍ صحفيّ إن كانت الرياح السياسيّة تتطلّب ذلك. لهذا فقد باتوا يشغلون القرّاء والمشاهدين في العالم باستطلاعات رأي لا حصرَ لها عن الانتخابات الأمريكيّة، وبتكهّنات متضاربة يضحك لها المحايدون، ويكاد المنغمسون فيها أن يُصابوا بنوبات قلبيّة من فرط الإثارة والترقّب. في الوقت نفسه، اعتاد أيضاً السابِحون في بِحار الإنترنت أن يعثروا مِن حين لآخر على شريط مصوّر لإعدام رهينةٍ ما في العراق، أضاف بُعداً جديداً لفنون الإعلام، إذ فاق أفلام الرُعب وحتّى البرامج الحديثة المسمّاة بالبرامج الواقعيّة. فلم يعُد التمثيل ولا حتّى الواقع المصوّر كافياً لإشباع نهم الكثيرين بالإثارة ومشاهدة الدِماء، فها هو فنّ إذاعة مشاهد الإعدام، أو التحدّث عنها بدون مشاهدتها، يجذب المشاهدين، ويثير بهم مزيجاً من التقزّز والخوف والغضب والرغبة في الانتقام، أو الفخر والتشفي والرغبة في المزيد من الدماء.
كان هذا عن وسائل الإعلام ومن يعبث بمحتواها، ولكِن ماذا عن المُشاهِد العالميّ؟ المُشاهِد العالميّ يبدو أنّه أدمن الأفلام والبرامج والمشاهِد ونشرات الأخبار لدرجة خطيرة، فقد جعل الإدمان سكّان كوكب الأرض محِبّي الإثارة يحتاجون إلى جرعات متزايدة من العُنف والرُعب والدِماء والـ"ساسبِنس" والـ"أكشِن"، وإلاّ فلن ترضى غرائزهم بما تقدّمه دور النشر والتأليف... وقد حارَ معهم الإعلاميّون في ما يقدِّمون كلّ يوم. سكّان الكَوكب ينتظرون قمّة الإثارة في الأسبوع الأخير للانتخابات الأمريكيّة.
حذّر جهازا لأمن الأمريكيّ من قبل أنّ الإرهابيين أعداء الحرّيّة سوف يُفسِدون الانتخابات الأمريكيّة بشكلٍ ما، واتّهمت القوى السياسيّة وقتها الرئيس بوش وزُمرته بتخويف الأمريكان وباستغلال التحذيرات لصالحهم، وربّما برغبتهم في فرض قانون طوارئ وإلغاء الانتخابات. وانفضّ المولد بعدها، ولكنّ الجميع ما زالوا ينتظرون المُفاجأة السينمائيّة التي تحدُث قبل المشهد الأخير: فمن أين يا تُرى سيأتي الإرهاب هذه المرّة؟
الشريط والتوقيت
تعرِفون جميعُكم مدى تأثير الإعلام عليّ وعليكم وعلى جميع الناس، وتعرِفون أيضاً أنّ هُناك أكثر من إِعلام: فهناك الإعلام الرسميّ وهناك الحزبيّ وهُناك المُعارِض وهُناك الإعلام المُشاغِب المتشرِّد وأخيراً، ومع الإنترنت، فهُناك أيضاً الإعلام الفرديّ أو العشوائيّ أو هذا الذي أكتُبه أنا وغيري: البَلوَجة. كلّ واحد يكتب ما يُريد، والله أعلم بالحقائق والهويّات. لكنّ هذه الظاهرة غير المسبوقة من تعدُّد وسائل الإعلام لا تزال في مهدِها، فأكثر المواطنين الصالحين لأيّة دولة مازلوا يستقون أخبارهم من الإعلام الرسميّ (حسب تسمية دولنا العربيّة) أو الإعلام الشائع (حسب النظام الأمريكيّ الأوروبيّ) حيث تُسيطر على الإعلام شركات كُبرى ليست بالضرورة ممثلة للحكومات، ففي الولايات المتّحدة مثلاً تميل معظم القنوات التليفزونيّة -ما عدا فوكس مثلاً- إلى الجانب الليبراليّ الموالي للحزب الديمقراطيّ، بينما تُسيطر الاتّجاهات المُحافِظة الجمهوريّة على الكثير من الإعلام الإذاعيّ وعلى بعض الصُحف وعلى الإعلام ذي الصبغة الدينيّة أيضاً.
اتّفقت وسائل الإعلام الأمريكيّة الكُبرى جميعاً على ثوابِت، وقد شرِبَها الشعب وحفظوها عن ظهر قلب. فهم لا يختلفون على الخوف من القاعِدة، وعلى مسئوليّة ذلك التنظيم عن أحداث سبتمبر 2001، ولا يختلفون على التأهب ضدّ الإرهاب وعلى مناصرة الحملات العسكريّة الأمريكيّة حتّى لو اختلفوا في جدواها وأسبابها. لكنّ القلّة المنحرفة ممّن لا يرضون بالإعلام الرسميّ، يذهبون إلى الشبكات الأوروبيّة والعربيّة وإلى المبلوِجين على الإنترنت ويبحثون عمّا يعطيهم رؤية أكثر منطقيّة لما يحدُث... ومِن أمثلة هذا الإعلام ’المُضاد‘ فيلم مايكل موور الأخير الذي كشف للشعب البسيط الأمريكيّ عمّا لم يكُن يعرِف عن الحرب على العِراق وعن علاقات بوش بشرِكات النفط والأُسَر الحاكِمة بالخليج. لكنّ الأدهى من مايكِل موور، هو عدد كبير من المواقع على الشبكة الإلكترونيّة والتي تعادي الحرب وتشكِّك في كلّ ما تقول الحُكومة، بل وتشكك في تنظيم القاعدة نفسه.
تنبأ الكثير من هؤلاء المنتمين للقلّة المنحرفة بأنّ حدثاً كبيراً سيُلَفّق قبل الانتخابات ليضفي الإثارة، ويساعد على إبقاء الأحوال على ما هي عليه، بالإبقاء على الرئيس الحاليّ، الذي سيُقنع الشعب أنّه الأقدَر على حِفظ الأمن والأمان.
بل إنّ الحملة الانتخابيّة للرئيس الحاليّ (بوش) أكّدت هذه الحقيقة الأخيرة في عدّة مواقف، ولسان حالهم يقول على الملأ: الإرهابيّون يفضّلون كيري ويخشون بوش! هكذا! فإن ناصرت غيرَ بوش، فأنت مع الإرهابيين -وحسب حِسبة بوش- فأنتَ إذن إرهابيّ. وبالعاميّة المصريّة يُمكِن أن تُتَرجِم هذا إلى: "اللي مِش مع بوش، إحنا مانحِبّوش. واللي ناوي يهادِن، هنجيبله بِن لادِن"
ولهذا صار كيري يلعن ويقسم في كلّ مناسبة أنّه أشرس من بوش على الإرهاب، إلخ...
وهُنا، جاء الشريط في وقتِه المُناسِب، ليذكِّر الأمريكان بأنّ الخطر ما زال موجوداً، وأنّ أعداء الحرّيّة وزعيمهم الشرس الشرير بن لادن يريدون الأمريكان أن "يثوبوا إلى رشدهم ويتوقّفوا عن مناصرة بوش المُجرِم". يعني باختصار: جاء الشريط هديّة انتخابيّة لصالح بوش. لكنّ الإعلام الأمريكيّ شديد الدهاء، بدأ يسأل السؤال: يا ترى؟ هل هذا الشريط في هذا الوقت يحسن من موقف بوش أم يا ترى يذكّر الأمريكان بأنّ بِن لادِن ما زالَ حيّاً متحدّياً بوش؟
الدليل قالولوا!
عنوان هذه الفقرة مُقتبس من مسرحيّة شاهِد ما شافش حاجة، بطولة عادِل إمام. وفِكرة هذه الفقرة جاءتني ممّا كتبه محمّد في سجلّه "طقّ حنك"، فمحمّد يرى -كما يرى غيره من المراقبين- أنّ بِن لادِن يستخدم لغة أعداء بوش السياسيّين بداخل الولايات المتّحدة، بدلاً من عادته في استخدام الخِطاب الدينيّ الحافِل بالآيات والأحاديث والقصص. بل يكاد المتحدِّث في الشريط الذي أذاعته الجزيرة يقتبس أفكاراً كاملة كأنّه شاهدها في فيلم "911 فهرنهايت" لمايكِل موور. من المتّحدِّث إذن؟ وما مصلحته؟
أجمَع عدد غير مسبوق من الوسائل الإعلاميّة أنّ المتحدث هو أسامة بن لادن، وأنّ الشريط يبدو أصليّاً أصيلاً، ولا قِبل لأحد بالتأكُّد من صحّته الآن، فالمهم هو تأثيره، إلاّ أنّ بالطبع مُشاغبي الإنترنت مازال بعضهم في حيرة وشكّ، بل يزعم هذا المقال أنّ الشريط "متفبرِك" كسابِقه. أمّا أنا فلستُ متخصصاً، ولا قِبل لي بالحُكم، لكنّني من المحتارين، وتساورني الوساوس والشكوك والظنون والتساؤلات التالية:
- ما السرّ في توقيت الشريط؟
- لو كان المتحدّث بِن لادِن، وتوقيت إذاعة الشريط موافقاً لرغبته، فما مصلحته -هو الخبير بأمريكا الآن والدارس لشعبها؟ ألا يعلم أنّ الأمريكان سيستجيبون لهذا الشريط ضدّ رغبته؟ فلماذا رغب في إذاعته؟ لينتخب الأمريكان بوش فيضربهم؟ أم؟؟ ليرجعوا إلى رشدهم؟ أم؟
- مع من يعمل هذا المتحدِّث في الشريط؟ وإن كان هو أسامة.. فمع من يعمل أسامة؟
- لماذا تذيع الجزيرة هذا الشريط الآن. لعلّ زعيم القاعدة أخطأ الحسابات أو لم يقرأ عن تقدّم كيري الأخير في استطلاعات الرأي. فماذا عن حرّيفة الجزيرة؟ لماذا يقدّمون خدمة كهذه لبوش؟ مع من يعملون؟ أم لعلّهم أساءوا الحسابات؟
اقرأوا مثلاً عن تقدّم بوش في استطلاعات الرأي بعد هذا الشريط، وقولوا لي رأيكم...
لكِن.. لماذا أحرِق أنا دمي... أتحوّلتُ أنا أيضاً لمشاهِد فيلم بايخ؟
أنا لا أنتخب.. وأنا مالي!
هذا هو بيتُ القصيد... أنا مالي.. ربّنا يسعد سعيد بسعيدة
وتوتة توتة، فرغت الحدّوتة
فما رأيكم دام فضلكم؟
وتوتة توتة، فرغت الحدّوتة
فما رأيكم دام فضلكم؟
suspense ساسبِنس *
0تعليقات:
Post a Comment
<< Home