اتكلموا يا بنات.. ما عادش ينفع السكات
لأّني فاقد الشهيّة ولأنّ نطاق حماسي وتركيزي قد اختُزِل كثيراً-لأسباب لا أعلمها-
فإن تحمّستُ لفكرةٍ في الصباح، انقشعت كالبخار إذا المساء لاح...
أقاوم إذن هذا الانقشاع بعد الأفكار التي غَزَلَتها مخيّلتي هذا الصباح وأكتب السطور التالية:
أرى أنّ واقعة التحرُّش الجنسيّ الجمعيّ الأخيرة--سواء اخترتَِ وصفها بالحدث المعتاد السنويّ أو بالكارثة المذهلة--هي فرصة طيّبة جداً لبداية طرق هذا الموضوع دون توّقف حتى يتّخذ الرأي العام منه موقفاً مغايراً،
موقفاً يلوم الرجُل على التحرّش لوماً كاملاً سواء كانت الفتاة ذات قبحٍ أو جمال، سواء كانت ترتدي مايوهاً أو شوال،
لأنّ من شغل نفسه بكبت الشباب وتبرج الفتيات وخروجهن إلى الشوارع ينسى أو يتناسى كيف يلاحق أطفال بالشارع مريضاً عقليّاً أو متخلفاً ويزفونه: "العبيط أهُه"...
ولأنّ موضوع المسئوليّة المُمِلّ (على من تقَع وكيف يمسك الشباب المسكين نفسه) خارج نطاق المناقشة--فقد نوقش على هذه المدوّنة من قبل ثم نوقش باستفاضة تصل إلى حد الفيضان في الـ"ميم" الذائع هذا الأسبوع (هنا، وهنا، وهنا، وهنا)، فيبقى السؤال الواحد الوحيد المجدي:
يقترح مالك (صاحب السبق إلى تدوين الخبر) أن تتكلم البنات وتكسر حاجز الصمت.
يا بنات، يا سيّدات، يا أخوات، يا أمّهات: تكلّمنَ. لا تخجَلنَ. لا تَخَفنَ.
كثير من الرجال لا يتخيّلون مقدار معاناتكن لا من حيثُ الكم ولا الكيف ولا الكثافة ولا التواتر.
كثير من الرجال--كما اتّضح من الكثير من التعليقات--لا يتصوّرون أنَ هناكَ أياديَ تمد تحت الملابس، أو أنّ هناك من يفتحون "السوسَت" بشكل دوريّ!
وصدُّقوني لو عرفوا--وكانوا يحملون من صفات الرجولة ما يزيد على الأعضاء التناسليّة--سوف يتغيّر شيء بداخلهم.
إضافةً إلى ذلك،
تكلمنَ لأنّ هناك احتياجاً لتوثيق كلّ حادث وكلّ حالة تتعرضنَ لها- ولنبدأ بالأخطر (أي التحرش الحسيّ واعتراض الطريق والشروع في الاغتصاب) إلى الأقل خطورة والأصعب إثباتاً (التحرش اللفظيّ وغيره من سخافات).
كلّ من تحمّس لهذه القضيّة يريد بيانات ليبنيَ عليها:
نريد تواريخ- أماكن- صوراً (حتى لو وصل الأمر لتصوير من يمد يده أو يدسها في بنطاله)- أرقام سيّارات أجرة- أرقام ميكروباص- مواقع عساكر المرور إن عاكسوا- أسماء موظفين - إلخ...
إن حدث شيء داخل الحرم الجامعيّ، سارعن بتوثيقه. اذهبنَ إلى الحرس. إلخ...
أمّا عن مشاركتي في العصف الذهنيّ لكيفيّة التصرف، فالأفكار تتراوح من العبثيّ الواقعيّ إلى المنطقيّ المستحيل:
الواقعيّ العبثيّ هو تخويف المتحرشين وتكدير عيشتهم.
* استخدِمنَ الدبابيس فهي فعالة في الزحام، والمشابك، فهي تشبُك المتلبسين.
* قد يصل الأمر لتكوين "فرق مكافحة التحرش" ونصب الكمائن للمتحرشين. الاندساس في الأوتوبيسات، وما أن تقع واقعة حتى تصرخ الفتاة عضوة فريقة المكافحة، فينهال الباقون على المُتَحَرِّش بالشباشب. للأسف قد يكون النشالون أوّل من يتبنى هذه الحيلة... لكن ما باليد حيلة.
* المزّة الانتحاريّة الإلكترونيّة! ولمَ لا؟ مانيكان مصمّم جيّداً على شكل مزّة توضع بها قنابل مسيلة للدموع أو العطس أو حتى بودرة العفريت، فما أنْ يمسُسها المتعوس حتى تنفجر فيه!
ماذا عن الأفكار "العاقلة" المنطقيّة التي هي غالباً غير مجدية؟
**عمل خط ساخن (هاتفيّ أو إلكترونيّ) لتجميع الحالات وتوثيقها. يفضّل أن تُشرف على تجميع هذه الحالات إحدى منظمات العمل المدنيّ (أو النسويّ) ويجب إعطاء ضمانات حقيقيّة وقويّة لضمان سريّة التقارير وحفظها، لأنّ التقارير الآتية من مجهول ستفقد المصداقيّة.
** حملات من طراز حملات الساقية مثلاً (ضد التدخين والبُمب؟)
ما نوعيّة الشعارات؟ يمكن تعديل شعار علاء إلى:
هتعاكس، مش هنسيبك!
هتعاكس؟ هتندم!
كُلّ فتاة هي أختي.
إلخ...
** عمل ضغط إعلاميّ-وهذا سهل لأنّ القضيّة غير سياسيّة وتخص نصف المجتمع-وإثارة الحدث تلو الآخر (ولو بصورة مبالغة) حتى يتكوّن رأي عام مختلف يعرف أنّ هناك من يتعقب المتحرشين أو من سيتعقبهم. من الممكن مثلاً إطلاق حلقات مثل الكامير الخفيّة وتهديد المتحرشين بفضحهم على الشاشات.
** ماذا لو خرج كلّ نجم مسرحيّ أو مطرب في بداية مسرحيته أو حفلته بكلمتين عن شيء كهذا؟
طبعأً معظم المسرحيات أصلاً عبارة عن تحرش جمعي وتشييء للمرأة. طب نعمل إيه؟
لماذا لا نستفيد بشهرة بعض المتعاطفين مع القضيّة (خالد الصاوي كمثال) ويقود هو الحملة بشكل أو بآخر؟
** وسائل المطالبة بالحقوق المدنيّة الكلاسيكيّة: رفع الدعاوى والقضايا- وإن عجز المدعون عن إثبات الحالة- فالعيار اللي ما يصيبش يدوش/ ومرّةً أخرى (وكما حدث مع قضايا الاغتصاب منذ حوالي عشرة أعوام)، سيتكوّن ضغط اجتماعيّ ما.
هذا مجرد عصف ذهني شديد التلقائيّة، ولا يهمني محتوى ما اقترحت بل ما قد يولّده لديكُن ولديكُم من أفكار. فماذا عندكُم؟
مرّة أخرى، لا تنزعوا من أذهانكم أنّ القضيّة ليست قضيّة نساء ورجال أو كبت جنسيّ/ هي قضيّة احترام الإنسان وقيمته. فهناك حالات لا تحصى من التحرش بالأطفال- هناك التحرش الجنسيّ والمعنويّ بالمرضى النفسيين والمعاقين ذهنياً وبدنياً.
______________
هامش:
أعجبني بالأخص تحليل علاء وتعبير ابن عبد العزيز "البناء لا الهدم"