ليس ادّعاءً للتواضُع، لكِن إحقاقاً للحقّ
ـ تنويه: هذا آخر مكتوب يتعلّق بالمسابقة الأخيرة، لأنّني أعرف أنّ مِنَ القُرّاء مَنْ ملَّ بالفعل ومِنهُم مَنْ يُحبط حين يلِجُ ليجد المكاتيب تتحدّث عن مسابقة لا تعنيه بشيء. ـمَنْ يعرِفني جيّداً، ومن يُتابِع هذه المُدَوَّنة مُنذُ أسابيعَ أو شُهورٍ، يعلمُ أنّني لا يُمكِن أنْ أوصَف بالتواضُع (ولا الغرور في الوقت نفسه)، لكنّني لا أخلو من فَخرٍ وزهوٍٍ وأحياناً اعتدادٍ بالذات (أحاول تقليصه) خاصّةً في ما يتعلّق بآرائي.
إذن، ليسَت السُطور التالية مُحاوَلةً للتمسُّح في فضيلة التَواضُع التي يتمتّع بِها العُظماء (وهي فضيلة معرِفة الذات لا التقليل مِنْ شأنِها) ولا رذيلة التصنُّع التي يتمتّع بها الأَدْعياء (إذ يكتسون بثوَبِ التواضُع ودواخلُهم تفيضُ غُروراً)... إنّما السُطور التاليةُ محاولة للالتزام الصارِم بالنَهجِِ الذي بدأتُ عليهِ هذه المُدَوّنة: نَهج عدم الاكتفاء بالمألوف والطبيعيّ، بل تخطّيه إلى "لزوم ما لا يلزم" في الموضوعيّة والحقّانيّة وربّما نقد الذات متى وَجَبَ ذلك.
أقولُ هذا إذن بمناسَبة ذلك الفوز الذي لا أُنكِر فرحتي به (بما تبقّى في داخلي من آثار فَرحةٍ طفوليّة لم تتدنّس بعد بقوانين الـ"كُبار" الـ"عاقلين") بثلاث جوائز في ثلاث فئات هي: أفضل مُدوّنة صحفيّة، أفضل مُدوّنة لمُغترب، وأفضل مُدوّنة مصريّة.
ولأنّ المُطَّلع على هذه النتائج بلا فكرة مُسبَقة عن التدوين أو عن المُدَوَّنات المصريّة الأخُرى أو عن المُسابقة وعَنْ نُظُم التصويت على الشبكة قد يخرُج بذلك الانطباع أنّ هذا الفَوْز يعني تفوُّق مدوّنتي على مثيلاتِها، أُحِبُّ أن أَضَع الأُمورَ في سياقِها وإطارِها، لتأتي الحقيقة مُجَرَّدةً من وسائل الدعاية والـ"ضحك على الذُقون".
هذا الفَوْزُ يعني بالتحديد أنّ مُدوّنتي قَدْ حصُلَت على أعلى أصوات في تلك الفئات، مُقارَنةً بالمُدَوّنات المُرَشّحة في الفئات نفسها. وهُنا أودّ أن أوَضِّح بعض العوامل التي ساهمت في هذا الفوز، والتي ليست جميعها
تتعلّق بقيمة المُدوَّنة (والقيمة تخضع في عالمنا لمبدأ: "القارئ دوماً على حقّ"):
1) ساهَم في فوزي في مجالَيْ الصحافة والتدوين المُغتَرِب قلّة عدد المُرَشَّحين في تلكما الفئتين بالمقارنة بغيرهما، و-لحسن الطالع-خُلوُّ تلكما الفئتين من حالات التلاعُب التي تسبّبت في إغلاق فئات أخرى. هذا لا ينفي مثلاً وجود مُنافسة حقيقيّة من مدوّنة شفاء (وهي مدوَّنة مُمتازةلمُغترب تفتح أبوابَها لجميع العرب مقدّمةً النصحَ النفسيّ والمساعدة، وهذا مشروع رائع- كيفَ أدّعي أنّني أقدّم "بضاعةً" أفضَل؟).
2) لي تجرُبة سابقة مع المُسابقات بل ومع الانتخابات، تعلّمتُ منها أنّ ما يحكُم في النهاية ليس مدى شعبيّة المُرَشَّح ولا حتّى سمعته وجودة ما يفعل؛ بل الحُكم للأعداد: أعداد من سيذهب لصندوق الاقتراع. في انتخابات اتّحاد الطلبة بالجامعة كُنّا نأخذ من نضمن أصواتهم باليد إلى صندوق الاقتراع، مقاومين كلمة "وأنا مالي" و"طنّش" و"يعني صوتي هيفرق". أذكُر صديقاً كان يذهب بسيّارته لجلب المزوّغين من منازلهم. وقد نفعني هذا شخصيّاً في انتخابات اللجنة الثقافيّة الساخنة إذ فُزتُ بفارق صوت أو اثنين. وفي المُسابقة السابقة تعبتُ فعلاً لأطارد أصدقائي وأصدقاء أصدقائي ليذهبوا وينتخبوا، ممّا جعلني هذه المرّة أتراجع قليلاً (لا سيّما أنّ خمسة على الأقلّ ممّن أيّدوني بشدّة في المسابقة السابقة كانوا مُرَشَّحين في الحالية). لكنّني في النهاية وجدتُ أنّ الحلّ الوحيد هو اللجوء إلى بعض المُتحمّسين، والزنّ على بعض المتفرّغين من جرّاء أجازة نصف السنة في مصر. وهذا يعني أنّ مدوّنات كثيرة جيّدة جدّاً، أذكُر منها على سبيل المثال لا الحصر: طيّ المُتَّصل، وحوليّات صاحب الأشجار، وحمُكشة، وغيرهم يبدو أنّهم لم يقوموا بأيّة دعاية لأنفسهم. كُنتُ أنا أجلب مُصوِّتين لطيّ المُتّصل في مجال التكنولوجيا، وأنا أعلم أنّه مثلاً لم يقُم بأيّة دعاية لنفسه.
3) بالنسبة لجائزة لمدوّنة المصريّة. كانت هذه شبه مُفاجأة. يبدو أنّ بعض مؤيدي مُدوَّنَتي لم "يسمعوا الكلام" ولم يتَّبِعوا توصياتي:لقد كُنتُ شخصيّاً أؤيّد "طقّ حنك" لهذه الفئة (لأنّه كان هُناك مخاطرة تكسير أصوات كما شرحتُ مُسبقاً). وأعتقد أنّ الفارق بيننا كان ضئيلاً جدّاً (ما أعرفه أنّ طقّ حنك كان مُتقدِّماً بصوت واحد قبل انتهاء المسابقة بيومَيْن)؛ يعني باختصار هناك شبه تعادُل في. أيضاً أعتقد أنّ مدوّنته ظُلِمَت حينَ أُلغيت الفئة العربيّة: فقد كانَ مُتَربِّعاً على عرشها بفارق جيّد عمّن تلاه. وكلامي هذا ليس من باب المُجاملة، لكنّ مُدوَّنته فعلاً مُتَنوِّعة، أكثر جُرأةً، تحوي أكثر عدد من الروابط لمدوّنات عربيّة، بها صُوَر تُزيدُها جمالاً، أكثر اهتماماً بالأمور العربيّة.
أنا شخصيّاً أعتبر طقّ حنك فاز بأفضل مدوَّنة باللغة العربيّة رغم إلغاء تلك الفئة، ومبروك أيضاً فوزه المُستحقّ بأفضَل تدوين سياسيّ.
أخيراً أشكُر المُنَظِّمين، وأشكُر من صوَّت لي، والمُهَنِّئين. وهذا ليس إلاّ "تدبيساً" لي لكي لا أتقاعَس عن الكِتابة (على الأقلّ لحِفظ ماء الوجه)؛ بل أكثر من ذلك.. هذا أيضاً نوع من الدعوة للعمل بالأكثر على جعل التدوين "حقّاً لكلّ مواطن". ولهذا أفكّر في تخصيص عدد من مقالات الشهر الحاليّ (فبراير) لمواصلة الحديث عن التدوين (الذي بدأه إلِف هُنا) وللتفكير في مُستقبل التدوين المصريّ والعربيّ وفي مدى تأثيره.
ليَكُن فبراير إذن شهرَ التدوين :ـ)
ـ
ـ"نحنُ-الممثلّين- نعلم جيّداً (إلى جانب علمنا أنّه لم توجد أسلحة دمار شامل) أنّه ليس هناك ما يُسمّى بأفضل ممثّل"ـ
شون پِن أثناء قبوله جائزة الأوسكار لأفضل ممثّل في دور بطولة-٢٠٠٤*
ـ
"* Thank you. If there's one thing that actors know, other than that there weren't any wmds -- it's that there is no such thing as best in acting. And that's proven by these great actors that I was nominated with as well as the -- as well as the Giamattis, Cages, Downey Jrs., Nicholsons, etc. that were not nominated. We know how great all of you were." Sean Penn
4تعليقات:
مبروك يا رامي..أنت بابا أنت أنور وجدي أنت أفضل مدون :-)
تستحق الفوز، و كذلك لأنك حرصت عليه و عملت له.
ألم يكن لديكم في الجامعة رقم ساخن يتصل به من يتعطل في إشارة أو يقطع طريقه بلطجية مرشح منافس أو لا يأتي أتوبيسه؟
هل مكتوب على انتخاباتنا أن تظل مشبوهة، حتى بابا!
مبروك حبيبي مبروك و عقبال السنة الجاية إن شاء الله:)
ايه ده كله يا رامي؟ ألف مبروك على الحاجات الحلوة ديه كلها.
انت برده بذلت مجهود جامد جداً. ياللا عقبال السنة الجاية.
شُكراً شُكراً..
يا ألِف... لم تكُن هُناك خُطوط ساخنة ولا خطوط باردة. كانت رعاية الشباب في الكلية تفعل ما بوسعها لجمع الآصوات فكانوا يجوبون المدرّجات والمعامل. ما أشهد به هو أنّ الانتخابات لم تشهد أيّ مجرد شبهة تزوير في السنوات الخمسة الت قضيتها طالباً- لكنّ هذا لا ينفي آنّ الكثير من المرشّحين شُطِبوا في العامَيْن الأخيرَيْن.
أمّا عن بذل المجهود في المسابقة: طبعاً تستحقّ المجهود. أنا أحبّ المنافسة عامّةً، وطعم الفوز حلو؛ لكنّ الأهمّ طبعاً والحافز الحقيقيّ هو نشر المُدَوَّنة- فهذا ما يريده كلّ مِنّا: أن يُسمَع ويُقرأ ويُناقَش.
ولهذا أيضاً نحنُ جميعاً في القارب نفسه نسعى للتعريف بأنفسنا وببعضنا بعضاً.
ولاّ إيه؟
Post a Comment
<< Home